بمقدمات متسارعة تعكس حالة احتقان كبير اختفى بعد نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة التي أنتجت شكل حكم لا يسمح لآي طرف سياسي ومن توقع أنهم حلفائه بتكوين الصورة السياسية التي تباهى وبالغ في الحديث عنها قبل صدور النتائج المخيبة لأمال الجميع.
الفصل الأول من مرحلة ما بعد سقوط نظام بن علي اكتملت تفاصيله بعد الانتخابات بوجد قوى سياسية ضعيفة وعاجزة عن امتلاك أغلبية تمنحها قدرة صياغة المستقبل السياسي للمرحلة القادمة استناداً لقاعدة شعبية صلبة تمنح مساحة من حرية الحركة لتطبيق المشاريع والأفكار.
المشكل اليوم في التواصل السياسي حول مشروع القانون بين حلفاء الأمس في الأساس وخصوم اليوم على القانون بين مؤيد ورافض والتمركز حول رفض الفكرة والذي تقوده قوى العبث السياسي التي كانت تريد في فترة سابقة تمرير قانون العزل السياسي وانتقلت من باب العبث لمحاولات جر الشارع والقوى المطالبة بتعديل القانون لساحة الصدام الذي سيدخل البلاد في أزمة يصعب تصور نتائجها.
الأزمة في عمق محاورها لا تخرج عن الكثير من انتكاسات الانتخابات وإحباط نتائجها لعديد القوى السياسية التي توقعت تناسقا بين منظومة الحكم الجديد ورؤيتها للقادم، وبين قوى نجحت بالتوصل لتفاهمات غير متوقعة دفع بباقي القوى إلى الهامش وبعيداً عن المشاركة الفاعلة في صناعة القرار وعطل سبل التواصل بين مختلف القوى السياسية لتقديم تصوراتها وأفكارها في القرارات الإستراتيجية التي تهم مستقبل تونس.
التوتر المتصاعد بين القوى المعارضة لقانون المصالحة وانعكاسات التشنج السياسي يدفع بالكثير من الغاضبين لانتكاسات أحلام الشباب بعد سقوط نظام بن علي للتعبير عن الرفض العنيف لمن يعتبروهم صانعي أسطورة الفساد السياسي والمالي طوال سنوات حكمه الممتدة لما يقارب ربع قرن.
التصعيد في الشارع ومحاولات القوى المهمشة والمهزومة في الانتخابات الماضية الركوب على الحدث دفع بالصدام لمرحلة الخطر من انفلات غير مسبوق منذ فترة طويلة يحمل مؤشرات فوضى لا تتحمل نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخطر الأمنية تونس في المدى المنظور.
الأمن المنقسم بين مخاطر مواجهة تهديدات إرهابية متوقعة وغير مستبعدة وبين الخوف من صدام مع القوى الرافضة لقانون المصالحة والتي قد تقود لانفلات غير محسوب العواقب يعيد الأوضاع لنقطة الصفر تماما مثلما حدث بعد 14 جانفي 2011 ويجد نفسه في موقع لا يحسد عليه بكيفية الموازنة بين التهديدات والاحتجاجات.
اليوم هل تملك كل القوى السياسية الفاعلة قدرة تمرير قانون المصالحة بصيغته الحالية أو تملك القوى المعارضة قدرة تعطيله، وأين سيقود حوار "الصم والبكم" بين الطرفين العاجزين عن الحوار داخل المكاتب وقفز الطرف المعارض للشارع للتعبير عن رفضه يعكس في البداية أن أزمة التواصل بين مكونات المشهد السياسي وصلت درجة الصفر، والقسمة بين رباعي الحكم وباقي مكونات المشهد تحت قبة مجلس نواب الشعب أصبحت الغائب الأكبر عن الساحة.
الحلول المتشنجة والصدامية لا تخدم القوى السياسية المؤيدة والرافضة في ظل غضب الشارع من انعدام الإيفاء بالقليل من الوعود والعهود الانتخابية التي أطلقتها الأحزاب السياسية في الحملة الانتخابية وتسابقت في التملص منها ونكرانها جملة وتفصيلاً، وهذا الاحتقان المترافق مع أزمة اقتصادية متسارعة يجعل من إمكانيات التهدئة ضئيلة طالما لم تتفق الأطراف السياسية على ضرورة نقاش القانون وتعديله بما يرضي أكبر قدر ممكن من مكونات المشهد السياسي ويسحب فتيل الاحتقان المتسارع نحو التفجير.
قانون المصالحة والخوف من انتقاله من الساحة السياسية لساحات المصارعة والصدام في الشارع يشكل في تفاعلاته حالة القادم في تونس المحتاجة لمرحلة تهدئة لاستعادة توازن مفقود في مختلف المستويات ولضمان عدم حدوث انهيار يصعب توقع نتائجه ويبعد البلاد عن مواجهة أزمات يمكن تجاوزها ويوحد الجهود لمواجهة التحديات الخطر وفي مقدمتها التهديد الإرهابي الزاحف في المنطقة المغاربية.
ملاحظة خارج السياق "أحمد الصديق تقوده الحماسة ليشطح بعيداً وينسى عن غير قصد أن من يريدهم حلفاء الغد ليسوا سوى من تورط أمس بدم شهداء الجبهة بلعيد والبراهمي، ما أصعب المراهقة السياسية المستمرة حين تقود السياسيين للسقوط في متاهات كلمات العبث".