يسرى الشيخاوي-
ضحكات الأطفال تزيّن دار الثقافة ابن رشيق وأصواتهم تملأ تفاصيل المكان حياة وصخبا، والأولياء يرمقون أبناءهم بحب وشغف وهو ينتظرون انطلاقة عرض المسرحية الروندية " أطفال الأمازي" ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية.
"أطفال الأمازي" مسرحية يجسّد فيها الممثلون شخصيات أطفال كما يوحي به العنوان، وهي مزيج من الرقص والغناء والمسرح تطرح عبرهم قضية الجفاف وغياب الماء في بعض البلدان الإفريقية، عملا بمقولة علّم الأطفال وهم يلعبون.
"اكسير" الحياة الماء الذي جُعل منه كل شيء حي، مصدر إلهام للعرض الروندي الذي جذب جمهورا أغلبه من الأطفال ولكنّه أيضا خاطب الطفل الكامن في دواخل الأولياء والحضور ممن تجاوزوا مرحلة الطفولة لما يجمله في تفاصيله من حلم وأمل.
على غير العادة، لم يجلس الجمهور في المقاعد ولم يعتل الممثلون الركح إذانا بانطلاق العرض، بل كانت البداية من باب القاعة إذ أطلّ مخرج العرض على الجمهور وتلا على مسامعهم بعض الكلمات تمهيدا لرحلة ممتعة يقودها "أطفال الأمازي".
على إيقاع " الدربوكة" تداعبها أنامل ممثلة ويحاكيها صوت ممثل إذ يغني بلهجة إفريقية، سار الجمهور في طابور إلى قاعة العرض وهم يردّدون الأغنية ذات الكلمات غير المفهومة، وكانت المفاجأة أن كان هناك طوق يحيط بالكراسي فلا يمكن للجمهور بلوغها للجلوس عليها.
ووسط العتمة، يدعو الممثليْن الجمهور صغارا وكبارا إلى صعود المدرّجات المؤدّية خلف الركح حيث تتعالى صوت الإيقاعات والغناء وامتزج بتفاعل المتفرجين، وظهر على الكرح ممثلون آخرون أضفوا مزيدا من الحركية على المشهد.
بعد وصلة من الغناء الافريقي المفعم بالحياة، تحمل ممثلة دلو ماء وتخبر أترابها برغبتها في ملئها وهي لحظة تعرية محور المسرحية التي تنهل تفاصيلها من الأساطير والخرافات فالأطفال الذين تعوّدوا اللعب على ضفاف البحيرة في مدينة تزينها الأنهار والبحيرات ومنابع المياه صحوا في أحد الأيام على جفاف مدقع.
من وراء الكواليس يعبر الجمهور من بوابة صغيرة كانت محجوبة قبل أن يزيل عنها احد الممثلين الغطاء، ويمر الجميع بالركح ومنه إلى مقاعدهم في قاعة العرض بدار الثقافة بن رشيق حيث كانوا وجها لوجه مع ديكور يحملك إلى القرى الافريقية التي تتماهى فيها البساطة بالعمق.
على الركح الذي تحلّى بسينوغرافيا تحملك إلى ضفاف البحيرات في البلدان الافريقية، تطالعك الدلاء وأوان كثيرة تحاكي حب الأفارقة للحياة وللرقص وقماشة زرقاء عريضة تحيلك إلى الماء الساكن في البحيرات والأنهار.
عند اندثار الماء من مدينة البحيرات، نمت الإشاعات في القرية الصغيرة وسرى التوتّر في نفوس الأطفال حتّى أنهم حملوا انفسهم وزر جفاف ماء، ولكنهم لم ييأسوا وظلةا يتوسلون آلهة الماء "آمازي" لتدرّ عليهم بعض القطرات.
وكان الحل، في دموع الأطفال الذين جمعوها في آنية على وصوت يحدثه وقع تلامس السباسة بالبنصر، وانتشرت هذه الحركة على الركح وأتاها كل الممثلين وتجاوزت الركح إلى الجمهور،ومرة أخرى يكون الجمهور جزءا من العرض إذ يغادر ممثلين اثنين الركح ليجمّعوا دموع الحاضرين، وما إن يعتلوا الركح حتى تتهاطل قطرات المطر ويعم الفرح القرية من جديد.
واحتفاء بالماء، عم الفرح قاعة العرض في دار الثقافة ابن رشيق وتمايلت أجساد الممثلين والجمهور على وقع الأغاني الافريقية المغرية بالرقص، ليكون عرض "أطفال الأمازي" فسحة للتذكير بمشاكل الماء التي تشهدها عدة بلدان في العالم وفرصة للاستمتاع بالموروق الموسيقي الافريقي.
وقد تفاعل الاطفال وحتى الكبار الحاضرون في القاعة مع العرض بالتصفيق ومشاركة الممثلين الاغاني الأفريقية التي رددوها احتفاء بالماء.