المسؤولية المدنية والجزائية للبنوك عند التحويل الإلكتروني للأموال

بقلم الأستاذ نادر الخماسي المحامي والباحث في القانون-
 
لقد شهد الإنسان تطورات فكرية وعلمية كثيرة عبر الزمن جعلته يرقى ويسمو ويتطور ويواكب المتغيرات والحاجيات، وتعتبر التكنولوجيا أحد أهم التطورات التي ساهمت في تأسيس العالم المُعاصر، إذ أصبحت في الوقت الحالي مقياسا للتحضر والتخلف.
 
وقد سـاهم التقـدم العلمـي والتطـور التكنولـوجي الهائـل الـذي شـهده العـالم فـي العصـر الحديث في زيادة حجم التبادل الإقتصادي والتجاري بين دول العالم وبين الأفراد، فأصبحت شبكة الأنترنات أحسن وأسـرع وسيلة للإتصـال والتواصـل وكـذلك نقـل المعلومـات بكـل سـهولة سـواء بالنسـبة للناقـل أو حتـــى بالنســبة للمتلقـــي.
 
وكانت هـــذه الثــورة المعلوماتية ســببا رئيسيا فـــي ميلاد المعــاملات الإلكترونية وبفضـلها أصـبح العـالم بحجمـه الواسـع قرية صـغيرة، فزالـت كـل الحـدود الجغرافیـة بـین دول العـالم وتـم اختصـار كـل مـن الزمـان والمكـان، ولـم تـدخل الشـبكة العنكبوتية حیاتنـا فقـط بـل دخلـت منازلنـا وأعمالنـا ومدارسـنا لتصـبح مـن أهـم الوسـائل التـي نسـتخدمها یومیـا من أجل قضاء حوائجنـا، ولـیس فقـط الفـرد بـل حتـى الـدول ككيان مسـتقل بذاتـه وبـرز الـدور الكبیـر الـذي تلعبـه البنــوك بعــد أن اســتعانت بالتكنولوجيا لتقــديم خــدماتها للعميل باعتبارهــا آلية مــن آليات التنظيم وتحويل واحتــواء الأمــوال. 
 
هذا وقد واكب المشرع التونسي التحولات التكنولوجية وذلك بتأطير مسألة التحويل الإلكتروني للأموال من الناحية القانونية بمقتضى القانون عدد 51 لسنة 2005 المؤرخ في 27 جوان 2005 والمتعلق بالتحويل الإلكتروني للأموال.
 
وحيث لم يعرّف هذا القانون المقصود من التحويل الإلكتروني للأموال واكتفى بتنظيم العلاقة بين المُصدر والمنتفع ومسؤولية كل منهما.
 
وعمومًا تختلف القوانين المقارنة في تعريف التحويل الإلكتروني للأموال وذلك تبعًا لاختلاف الفلسفة القانونية والاقتصادية لكل منهما، حيث جاء بالقانون الأمريكي الصادر في عام 1978 أن التحويل الإلكتروني هو "تحويل أموال يتم عبر وحدة طرفية إلكترونية أو هاتف أو جهاز كمبيوتر (شاملاً الخدمات المصرفية الأونلاين) أو شريط ممغنط بغرض أمر أو توجيه أو تخويل مؤسسة مالية بإجراء قيد دائن أو مدين في حساب عميل." 
 
في حين أورد القانون التجاري الموحد "Uniform Commercial Code" بالمادة 104 منه، بأن التحويل الإلكتروني للأموال هو سلسلة من الصفقات تبدأ مع أمر الدفع الصادر من المُصدر بهدف الدفع للمستفيد ويتم التحويل بقبول مصرف المستفيد دفع قيمة التحويل لمصلحة المستفيد المبين في أمر الدفع.
 
أما القانون الأسترالي فقد عرف التحويل الإلكتروني للأموال بأنه "نقل القيمة إلى أو من حساب التحويل الإلكتروني للأموال بما في ذلك بين حسابين للتحويل الإلكتروني أو بين حساب تحويل إلكتروني وحساب اخر."  
 
وعموماً وبطريقة أكثر تبسيطًا نعني بالتحويل الإلكتروني للأموال هو ذلك الأمر الذي يصدره صاحب الحساب البنكي للمؤسسة البنكية المفتوح لديها الحساب والذي يتم بمقتضاه تحويل قدر معين من الأموال وفقًا للأمر الصادر للبنك وذلك لحساب شخص أخر سواء كان هذا الحساب مفتوحا بنفس المؤسسة البنكية أو مؤسسة بنكية أخرى.
 
وعمومًا عرف المشرع التونسي بالقانون عدد 51 لسنة 2005 أداة التحويل الإلكتروني بأنها كل وسيلة تمكن من القيام إلكترونيًا بصفة كلية أو جزئية بإحدى العمليات التالية:  
-تحويل المبالغ المالية.
-سحب الأموال وإيداعها.
-النفاذ إلى الحساب.
-إعادة شحن وسيلة قابلة للشحن أو تفريغها.
 
كما عرف المُصدر بأنه كل شخص معنوي يخول له القانون في إطار نشاطه التجاري وضع أداة تحويل إلكتروني للأموال على ذمة شخص آخر طبقًا لعقد مبرم بينهما.
 
كما عرف المُنتفع بأنه كل شخص يمتلك أداة تحويل إلكتروني للأموال بموجب عقد مبرم مع المصدر.
 
هذا ويكون تسليم البطاقة البنكية وهي "كل أداة تحويل إلكتروني للأموال تكون وظائفها محمولة على وثيقة مغناطسية أو ذكية" وذلك من خلال إتفاق مسبق بين المُصدر (البنك) والمُنتفع، وقبل إبرام هذا الإتفاق ألزم القانون الصادر في 2005 بفصله الثاني المصدر بإعلام المنتفع بصفة جلية ومكتوبة أو بواسطة وثيقة إلكترونية موثوق بها بمجموعة من المعلومات، كالشروط القانونية والتعاقدية التي تنظم إصدار أداة التحويل الإلكتروني للأموال واستعمالها السقف المحدد للعمليات المسموح بإجرائها بواسطة أداة التحويل الإلكتروني للأموال.
 
كما ألزم البنك بأن يضع مجانًا على ذمة العموم وثيقة تحتوي جميع البنود التعاقدية التي تنظم استعمال أداة التحويل الإلكتروني للأموال.
 
هذا وتقع على عاتق المُنتفع عديد الالتزامات القانونية والتي من بينها أن يستعمل أداة التحويل الإلكتروني للأموال طبقًا لما أعدت له وحسب كما عليه أن يمتنع عن التعريف وترك معرفه الشخصي في يد الغير، كما يتعين عليه أن يُعلم البنك بالعمليات التي تم تثقيلها بالحساب دون موافقته وبالأخطاء والإخلالات التي تسربت للحساب.
 
وعموماً يطرح التساؤل في ما يخص التحويل الإلكتروني للأموال عن مسؤولية البنوك عند القيام بعملية التحويل خصوصًا وأن المؤسسة البنكية هي الهيكل المخول له تنفيذ عملية التحويل من الناحية القانونية والتقنية؟.
 
وفـي إطـار توسيع نشـاطات البنـك وتحسين الخـدمات التـي يقدمها للعميل، اسـتعان المصـرف بوسـائل جديدة، ممــا يجعله يقــدم خــدمات فــي أي مكــان فــي العــالم عبــر هــذه الوســائل الحديثة عــن طريق التحويل الإلكتروني للأموال، بحيـث يكـون البنـك ملزمـا بتنفيذ هـذه العمليات الإلكترونية عـن طريق التكنولوجيا الحديثة التـي يستفيد منهـا كـل زبـائن البنـك، فهـي تتمیـز بمواكبـة التطـورات وتتميز بالسـرعة.
 
وعلـى الـرغم مـن أن هـذه الخدمات الحديثة التي يقدمها البنك لديها الكثير من المزايا إلا أنها لا تخلو من العيوب والأخطاء وغیرهـا مـن السـلبيات التي قـد ترتـب مسـؤولية علـى البنـك وقـد تكـون هـذه المسـؤولية مسـؤولية مدنية وكذلك مسؤولية جزائية طبقًا للقواعد العامة للمسؤولية وكذلك للنصوص الواردة بالقانون المؤرخ في 2005 والمتعلق بالتحويل الإلكتروني للأموال.
 
1- المسؤولية المدنية للبنوك عند التحويل الإلكتروني للأموال:
على اعتبار أن المسؤولية المدنية وبصفة عامة هي ذلك الإلتزام الذي یقع على عاتق الشخص ويفرض عليه تعـويض الأضـرار التـي أحـدثها، وعنـد تنفيـذ البنـك لإحـدى الخـدمات البنكية منهـا التحويـل الإلكترونـي للأمـوال، فإنـه قـد يتعـرض لقيـام المسـؤولية المدنية بحقـه سـواء كانـت المسـؤولية ناتجـة عـن إخـلال البنـك بالعقـد المبرم مع العميل أو ناتج عن الإخلال بالتزام قانوني.
 
إذا تحققـت مسـؤولية البنـك فإنـه لا يمكـن تصـورها إلا بقيام أركانهـا الثلاثـة وهـي الخطـأ الـذي يسبب ضررا للعميل سواء في ماله أو سمعته وكذلك العلاقة السـببية بـين كـل مـن الخطـأ الـذي وقـع مـن البنـك والضرر الذي يصيب العميل. 
 
هذا وتعرف المسؤولية على أنها ذلك الإلتزام الذي يقع على الانسان بتعويض الضرر الذي ألحقـه بـالآخر بفعلـه وعمومًا نص الفصل 7 من قانون 2005 على أنه يتعين على البنك قبل إنجاز عملية التحويل التثبت من هوية المنتفع ومن أداة التحويل الإلكتروني للأموال ويكون البنك مسؤولاً في الحالات التالية على:
 
-تنفيذ عملية لم يعط المنتفع في شأنها إذنًا.
-تنفيذ عملية مع العلم بزور أداة التحويل.
-تنفيذ عملية بعد اعتراض المنتفع وفقًا للإجراءات والاجال المنصوص عليها بالفصل 10 من هذا القانون 
-عدم تنفيذ العملية المأذون بها بواسطة أداة التحوي .
-وجود خلل في الوسائل التقنية أو خطأ في إستعمالها أو عيب في أداة التحويل الإلكتروني للاموال.
 
وعلى هذا الأساس إذا قام البنك بإحدى هاته الأفعال المذكورة انفًا فإنه محمول عليه واجب التعويض للحريف المتضرر وعليه وفي الحالة التي يكون فيها البنك مسؤولاً يجب عليه أن يدفع للحريف المتضرر في أجل لا يتجاوز شهر من تاريخ الإعلام، قيمة العملية المتنازع فيها والمصاريف وفوائض التأخير المنجرة عنها وذلك بقطع النظر عن التعويض عن الخسائر الاخرى التي قد تلحق المُنتفع (الحريف المتضرر).
 
هذا ولا يعفى البنك من هاته المسؤولية إلا إذا أثبت أن الامر راجع إلى القوة القاهرة أو الأمر الطارئ أو خطأ الحريف نفسه.
 
2- المسؤولية الجزائية للبنوك عند التحويل الإلكتروني للأموال:
جاء بالفصل 17 من قانون 2005 المتعلق بالتحويل البنكي للأموال أنه يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها 10 الاف دينار كل من زور أداة تحويل إلكتروني للأموال أو استعملها مع علمه بأنها مزورة، وكل من قبل تحويلاً بإستعمال أداة التحويل مزورة مع علمه بذلك.
 
وعموما نفهم من هذا الفصل أن المشرع أقر صراحة مسؤولية البنوك الجزائية عند استعمال أداة التحويل الإلكتروني للأموال بطريقة غير شرعية، لكن ما يجب تأكيده أنه في الحقيقة لا توجد عقوبة جزائية سالبة للحرية يمكن أن تسلط على المؤسسة البنكية في حد ذاتها لتعارض ذلك مع الطبيعة المعنوية للمؤسسات البنكية ولعدم إقرار المجلة الجزائية بصفة صريحة للمسؤولية الجزائية للذوات المعنوية. وأمام هاته الوضعية فإن من يتحمل المسؤولية الجزائية هو العون البنكي الذي قبل التحويل مع علمه بأن أداة التحويل مزورة وذلك تطبيقًا لمبدأ شخصية العقوبة. 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.