الكترو بطايحي: حينما تتماهى اصوات تونس على ركح قرطاج

يسرى الشيخاوي-


حلم تونسي الهوى والهوية، رأى النور سنة ستة عشر والفين، بفكرة للموسيقي زياد الزواري، ورافقه في البدء "البيتبوكسر" عماد حمدي "توينلو" وعازف الغيتار غسان الفندري.
ولئن الحلم في الموسيقى لا يعترف بالحدود، فإن زياد الزواري واصل رحلة البحث في عمق التراث الموسيقي التونسي، فكان الكترو بطايحي العرض الذي ينهل من النوبة التونسية والايقاعات الغربية.
وفي تفاصيل البطايحي والالكترو، تجلت اصوات تونس من شمالها الى جنوبها مرورا بالوسط، أصوات تحاكي عمق الجبال وامتداد الصحاري ومدى البحار.
وكان المسرح الأثري بقرطاج فضاء جامعا تبددت فيه كل الاختلافات وصارت فيه التلوينات الموسيقية التي تحاكي الجهات القادمة منها، تلوينة واحدة عنوانها "الوحدة" الموسيقة.
وان اختلفت الآلات الموسيقية وتضادت التوجهات الفنية فإن العازفين والمغنين الذين زينوا العرض كل ببصمته، كانوا ينظرون في اتجاه واحد، توحدت فيه الرؤية الموسيقية.
بعضهم يحمل صدى جهته في  نغمات آلته الموسيقية وبعضهم الآخر يحمله في الإيقاعات أو الذبذبات أو في صوته، وتنصهر كل الجهات في رؤية موسيقية تحاكي الواقع بكل تقلباته، رؤية موسيقية تنادي بالحرية والحب مفاتيحا للحياة.
رسائل كثيرة، يمررها العرض، من خلال مقطوعات موسيقية تترجم هواجس العازفين، فكان ركح قرطاج مجالا تماهت فيه الاختلافات على قاعدة الثراء والتنوع.
 
حكايا الموسيقى..
 
وفي عرض " الكترو بطايحي" تحدّثت الموسيقى، وكانت صوت الحكايات المنسية في ارياف البلاد، حكايات الحب ومقاومة الواقع وتفاصيل الحياة بضحكاتها وجنونها وعبثها .
تخاطبت الآلات الموسيقية فتسللت من بين الألحان، اصوات الرياح  وحفيف أوراق الأشجار في الغابات، وصوت الموج اذا ماارتطم بالصخور وصوت رمال الصحراء الثائرة، وكانت النوتات تفاصيل حكايات عن الإنسان.
نغمات رقيقة عميقة تخلقها انامل زياد الزواري حينما يناجي كمنجته، وأخرى حالمة عاشقة ترسلها اوتار كمان عدلي ناشي وتنبعث من غيثارتي  غسان الفندري وسفيان السعداوي أصوات ثائرة  ومن غيثارة متمردة، وفي الخلق يحاور جوليان تاكيان الدرامز فيملأ صخب الإيقاعات الأرجاء وتعاضده الاصوات التي يتخللها  وقع يدي مجد بوخذير على الآلات الإيقاعية وتسري ذبذبات في الركح إذا بث محمد البرصاوي أحاسيسه في الديدجيريدو ويصبغ ناي صاليح الجبالي الأجواء بمسحة من السجن وإيقاعات السطمبالي التي يحدثها عبد الحق بصير توشح الركح بنفحات من الحرية. 
وفي تصور خاص بمهرجان قرطاج الدولي احتفى عرض الكترو بطايحي بالآلات الوترية، وفي أرجاء المسرح الأثري انبعثت النغمات الكلاسيكية التي أوجدها عازفي الكمنجة يوسف البريني وراسم دمّق، وعازف الألتو محمد مؤنس إلى جانب عازف التشيلو الروماني ايونو فوينا "Ionut Voinea".
 
حديث الاصوات..
 
أربعة أصوات قادمة من جهات مختلفة من البلاد التونسية، عائدة النياطي من تستور، وسيف التبيني من زغوان واسلام الجماعي من مدنين وألفة الحمدي من منزل بوزيان، تتسرب من حناجرهم آهات تمتد من الشمال إلى الجنوب.
 
ومن بين الألحان يبدو صوت سيف التبيني هادئا وعميقا في ذات الآن، يحمل في  خامته الطبوع التونسية ينهل منها ويطوعها ليكون صوته متفرّدا.
وإذا غنت عايدة النياطي، تتجلى لك موسيقى المالوف في ثنايا صوتها، صوت رقيق وقوي في نفس الوقت يرافقه إحساس عميق تلحظه من أدائها.
 وحينما يتحرر صوت اسلام الجماعي من حنجرته يروي حكايا الجنوب وقصص الصحراء، صوت ناعم وذو مساحة ممتدة مصحوب بحضور هادئ حد الصراخ.
وإذ ألفة الحمدي أطلقت العنان لصوتها المتفرد،  تذكرك بأهازيج النسوة في الأعراس، بحليهن التقليدي ووشمهن، وتحملك الى مساحات صوتية تظهر تفرد خامتها.
 
زعمة ثورة؟ 
 
ولأن من شابه اباه ما ظلم، فإن نجلي زياد الزواري طارق وأمين تشبعا بحب الموسيقى من والدهما، وكان أن صعدا على ركح قرطاج، يحضن طارق كمنجته فيما يعانق امين قيتاره.
 
طفلان، لكن النوتات لا تعترف بالعمر، تعترف فقط بالإحساس وبالقدرة على مداعبة الاوتار، بدوا واثقين وكان حضورهما على الركح مقنعا.
وفي مقطوعة "زعمة ثورة؟" تماهى عزف الأبناء والاب، وكان حوار موسيقي بين كمنجتي زياد الزواري وابنه امين الذي يجيد "البيتبوكس"، وانصهر صوته مع صوت عماد توينلو وارتفعت ايقاعات "البيتبوكس" لتقول ان لا حدود للموسيقى.
وان كانت معزوفة "زعمة ثورة" تأويل فني لتساؤل وجودي يتعلق بالثورة التونسية، فإنها ايضا تساؤل يمكن أن يكون نابعا من واقع المشهد الموسيقي في تونس، فهل تكون الثورة في الموسيقى التونسية وتحظى العروض التي تقوم على البحث والالتزام بالأهمية التي تستحقها؟
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.