القصور الثلاثة والبرلمان الصّوري

جهة سياسية ومنظماتية تقرّر، سلطة عليا تزكّي وتحسم الأمر، برلمان يحوصل وحكومة تُقال، وكل ذلك تحت راية العشق التوافقي وبعنوان الوحدة الوطنية بهدف مواصلة نهج التداول الحزبي على السلطة وتوسيع دائرة الشخصيات المنتفعة بالمناصب والكراسي في هذه الفترة الانتقالية.

هي بالفعل فترة انتقالية، انتقالية من حيث انتقال الحكم من أشخاص الى آخرين، لكنها ليست انتقالية في جانبها الاقتصادي والاجتماعي لاسيما مع تفاقم الضبابية والغموض في طبيعة النظام السياسي المسيّر لشؤون الدولة وذلك بعد أن تداخلت مهام الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية مع مهام السلط التشريعية والتنفيذية فأصبحت السلطة في البلاد برأسين حاكمين وآخر صوريّ.

وفي هذه السنوات الاخيرة، توزعت مهام تحديد تشكيلة الحكومة وبرامجها بين  قصور ثلاثة،  قصر يتحدد بداخله مصير الحكومات، وقصر يزكّي تحديد المصير والقرارات التوافقية، وقصر تُرحّل منه الحكومة. ومنذ تشكيل ائتلاف الموقعين على وثيقة "اتفاق قرطاج"، أضحى قصر الضيافة بقرطاج الفضاء الأبرز الذي تسحب داخله الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية البساط من تحت الحكومات وتجتمع فيه هذه الأطراف بمجرد دعوة  أحدهم لاجراء تحوير وزاري.

اجتماعات وتوافقات المنظمات الوطنية والأحزاب تُرحل الى قصر قرطاج ليزكيها حاكمه ويبدي رأيه فيها واحيانا يناقشها مع زعماء الهيئات الموقعة على وثيقة قرطاج فيتحدد مصير الجالسين على  كراسي قصر الحكومة بالقصبة.

وتنتهي مسيرة تحديد تركيبة الحكومة ومدة حكمها وبرنامجها بالترحيل مرة اخرى لكن في هذه المرة الى البرلمان (مجلس نواب الشعب) الذي تُترجم تحت قبته كل التوافقات الحاصلة في قصري قرطاج عبر التصويت عليها وفق منطق الانضباط الحزبي فتتشكل عملية التصويت البرلماني على منح الثقة للحكومة أو سحب البساط منها في صورة شبيهة بالعمل الصوري المسرحي ومجرد إجراء قانوني يتم اتباعه لعدم مخالفة الأحكام الدستورية.

وهذا النظام الحاكم لا هو رئاسي ولا برلماني ولا توافقي، هو نظام يحتكم الى مبدأ التداول المتواصل على السلطة بمنطق "تبديل السروج فيه راحة"  دون مراجعات للسياسات الحاكمة ودون نقد جدي وموضوعي للبرامج المتبعة من طرف الحكومات المتعاقبة على الحكم  وذلك بعد ان أصبح الحكم في تونس رهين توافقات "الشيخين" منذ اجتماع باريس وأصبحت السلطة التقديرية والتقييمية لانهاء مهام رئيس حكومة أو حكومة برمتها  تحت امرتهما وأوامرهما.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.