تعافوا بالفن.. شهادات لمنتصرين على الإدمان

 يسرى الشيخاوي-

العلاج بالفن طريقة علمية مستحدثة تستند إلى تقنيات إبداعية لمساعدة بعض المرضى على الغوص في أعماقهم وملاحقة خيوط الأمل التي يتجاوزون بها المرض، وكان لهذا العلاج نصيب من برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للصحّة النفسية الذي نظمه فضاء كارمان، مساء أمس السبت، بعد أن تقرر تأجيل موعده المقرر في العاشر من شهر أكتوبر الجاري بسبب ظروف كورونا.

وفي حديثه عن تجربته مع المدمنين والمرضى النفسانيين الذين عادوا إلى الحياة بفضل الفن، يقول المعالج بالفن عبد الباسط التواتي إن المؤشرات المتعلّقة بالإدمان في تونس مفزعة ومخيفة، معتبرا أن البلد يعاني مما وصفه بالإرهاب الاجتماعي في علاقة بارتفاع نسب الإدمان والجريمة.

نواقيس الخطر.. 

قبل شروعه في الحديث عن العلاج بالفن، قدم التواتي أرقاما عن الإدمان والإجرام تدقّ نواقيس الخطر، إذ تشير إحصائيات خاصة بوزارة التربية إلى أن 195000 تلميذ مدمن على المخدّرات من بينهم 77 % منهم لا يمارسون أي نشاط رياضي وثقافي – الأمر الذي يعزز الإيمان بقدرة الثقافة في الوقاية من الآفات المجتمعية-.

و90% ممن يتعاطون المخدرات من عائلات متوسطة أو ميسورة، و59% حاولوا الانتحار، وفيما كان مركز السموميات في المستشفى الجامعي بالمنستير يجري، سنة 2011، 400 تحليل للإدمان سنويا من بينها نسبة 30 أو 40% تحاليل إيجابية، صار بعدها يجري 4000 تحليلا شهريا من بينها نسبة 70 او 80% تحاليل إيجابية.

ومن بين الأرقام المفزعة، أيضا، نسبة انقطاع الأطفال عن المدارس إذ بلغ 120000 سنويا، كما أن نسبة ممارسة الأطفال للعنف الإجرامي بما فيه القتل والتهديد بالقتلبلغت 30%.

واقع مفزع.. 

في سياق متّصل، يؤكّد أن الواقع التونسي مفزع في علاقة بالإدمان التي تمس الأعمار الممتدة من 13 سنة إلى 60 سنة، مشيرا إلى عدم إيلاء هذه المسألة الأهمية اللازمة لا نظريا ولا تطبيقيا إذ تم إغلاق مركز علاج الإدمان في صفاقس في حين أن طاقة استيعاب مركز جبل الوسط محدودة وتعتمد على المتابعة الخارجية.

وعن العلاج بالفن في حالات الإدمان، يلفت إلى أنّه ليس علاجا مستقلا بذاته بل هو مكمل ذلك ان التكفل بحالات الإدمان يتطلّب اختصاصات متعدّد على اعتبار انه قد يكون مرتبطا بأمراض أخرى على غرار السيدا والتهاب الكبد الفيروسي.

وفي تونس يتعاطف المجتمع مع كل المرضى إلا المدمنين وينبذونهم ولابد من التعاطي مع هذا الأمر بداية من العائلة لكي يحظى المدمن بفرصة ثانية ويندمج من جديد في محيطه، وفق حديث عبد الباسط التواتي.

العلاج بالفن..

 هذه التقنية العلاجية تضمن التواصل مع المدمن، وفق حديث التواتي الذي يشير إلى أن المدمن يصل أحيانا إلى مرحلة يتخطّى معها كل الحدود ويكون متأهبا لإتيان أي فعل صادم.

"لنا الفن كي لا تميتنا الحقيقة"، يستحضر قولة لنيتشة وهو يواصل الحديث عن العلاج في الفن ودوره في انتشال مدمنين من براثن الضياع والتيه، وعن دور تقنيات التشكيل في تجاوز الحالات النفسية المغرقة في اليأس.

وقبل الخوض في تجارب مدمنين تعافوا بالفن، عرّج المعالج بالفن عبد الباسط التواتي على نظرة المجتمع للمدمنين وعلى ضرورة العمل على تجاوز الماضي وعلى تأهيل المدمنين ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع.

وفي مداخلته عن العلاج بالفن عرض صور لمرضى نفسانيين ومدمنين على الكحول والمخدّرات لجأوا إلى الرسم والألوان ليكسروا حاجز الإدمان ويحلقوا بعيدا عنه بعد أن خسروا الكثير من أنفسهم، ومن بين المعروضات لوحات لمنتصرين على الإدمان رووا تجاربهم أمام الحضور بعد أن ساروا في درب المصالحة مع ذواتهم.

من جهته كان الممثل المسرحي جعفر القاسمي حاضرا في فضاء كارمان حيث أكّد أنه يعمل من أجل بعث مركز لعلاج الإدمان في تونس التي لا توجد فيها مثل هذه المراكز رغم ارتفاع نسبة الإدمان فيها.

تجربة زوجين مدمنين..

في روايتها لتجربتها في العلاج بالفن من الإدمان، تقول "وداد" إنها نجحت في أن تفلت من براثن المخدّرات التي كانت تستهلكها هي وزوجها عن طريق الحقن ورسمت لنفسها طريقا جديدة نوّعت فيها معارفها.

لم تكن هذه التجربة سهلة، فقد قاست فيها عديد الصعوبات جسديا ونفسيا وماديا ولكن اليوم مع شفائها ومع وجود ابنها تحاول ان تتخطى وزوجها مخلفات الماضي وتخط بداية جديدة في الحياة.

في المقابل يعدّ زوجها "أنيس" مرجعا في مجال العلاج بالفن، غذ تخلّص من الإدمان بعد 18 سنة لم ينقطع فيها عن استهلاك المخدّرات أو الحقن، وإن كانت بداية العلاج صعبة، وفق حديثه، إلا أنه لم يستسلم وواصل العلاج إلى ان تعافى تماما.

واليوم، ينثر الزوجان الأمل في الشفاء من الإدمان ويرتميان في حضن الفن ليهربا من قساوة الواقع ومن نظرة المجتمع الشبيهة بالرصاصات التي تخترق ذواتهم، وسط رغبة ملحّة داخلهم في أن يحظيا بعمل يضمن لهما ولابنهما عيشا كريما.

مدمنة بالصدفة.. 

أما تجربة "نورهان" فتبدو مختلفة بعض الشيء فهي أدمنت بمحض الصدفة، إذ كانت النية ان تقلص من آلام في ضرسها لتجد نفسها بعد مدّة فريسة للإدمان وتخسر عملها وتدنو من الموت إذ حاولت أكثر من مرة الانتحار.

ومن الارتهان لحبات الدواء التي تناولتها لتخفف آلام أسنانها  إلى التقوقع على نفسها والإغراق في الظلمة والعزلة وفقدان الرغبة في التواصل مع الآخرين وفي الحياة نفسها حتّى أنه لم يكن لها رغبة في تلقي العلاج.

مرحلة خطيرة من الإدمان وصلتها "نورهان" بلغت حدّ تعاطي مايزيد عن ثلاثين حبة دواء في اليوم ووكانت تسير نحو الموت بخطى حثيثة إلى أن تمكّن المعالج بالفن عبد الباسط التواتي من إقناعها بالعلاج وتخطّت كل الصعوبات في حياتها حينما ارتمت في أحضان الفن وهي اليوم تخلق رسوما جملة ومفعمة بالمعاني والرسائل.

 

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.