8
في إطار فعاليات الدورة الخامسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية احتضنت قاعة مسرح الجهات بمدينة الثقافة يوم الاربعاء 27 نوفمبر عرض المسرحية اللبنانية “ترانزيت طرابلس” المبرمج ضمن قسم “العروض العربية والإفريقية”، من إخراج كارولين حاتم، تمثيل: جوزف عقيقي، تأليف موسيقي وأداء ربيع جبيلي.
المسرحية اقتبستها كارولين حاتم عن رواية “ترانزيت” للكاتبة الألمانية آنا سيغرز، الصادرة سنة 1944، والقصة مستوحاة من تجربة الكاتبة الشخصية و كيفية فرارها من النازيين سنة 1941 عبر مدينة مرسيليا الفرنسية نحو القارة الأميركية وتحديدا إلى المكسيك، حيث تلتقي في فرنسا، بكلّ من أجبر على الفرار مثلها، وبكلّ من تعلّقت حياتهم بتأشيرة الدّخول إلى الدّول الأخرى .
قصة مرّ عليها أكثر من ثمانية عقود، تستعير المخرجة اللبنانية أطوارها وفصولها وتسقطها على الوقت الراهن لتؤكد كيف يُعيد التاريخ نفس الأحداث بتفاصيل مغايرة، حيث تستعرض قضايا النزوح والهجرة التي عاشتها فرنسا سنة 1940 في السياقين السوري واللبناني.
تدور أحداث “ترانزيت طرابلس” في لبنان، حيث ينتظر السوريون فرصة الحصول على تأشيرات بعد أن فرّوا من ويلات الحرب إلى لبنان عبر شواطئه قصد الهجرة إلى الدول الأوربية، رحلة ومعاناة قد تنتهي بالموت غرقا أو جوعا لخصتها المخرجة في قصة مهاجر سوري تابع جمهور أيام قرطاج المسرحية مغامراته في شوارع طرابلس.
“ترانزيت طرابلس” مونودراما تروي على لسان لبناني ما يتعرض إليه السوريون من عنصرية وظلم وتعصب وكيف يهربون من الموت لمواجهة موت آخر، ويجسد الممثل جوزيف عقيقي في هذا العمل المسرحي شخصية شاب سوري درس هندسة الميكانيك في حمص وكيف تم اعتقاله قبل أن يتمكن من الفرار وينزح إلى لبنان، ليروي النازح تفاصيل حياته اليومية والمعاناة التي يواجهها كل سوري.
عرض اعتمدت فيه كارولين حاتم على الموسيقى الحيّة التي عزفها ربيع جبيلي، إضافة إلى مقاطع فيديو بثت على شاشة عملاقة احتوت على مشاهد من بحر طرابلس كرمز للهجرة غير الشرعية كما ظهرت المدينة أيضا في فيديوهات تمّ تصويرها مع الأهالي، في حين تمكن جوزيف عقيقي بفضل لياقته البدنية من المحافظة على نفس النسق طيلة ساعة ونصف من العرض مستخدما بحرفية عالية مهاراته في التعبير الجسدي ليصوّر لنا مأساة شعبه جرّاء الحرب، واستعمل جوزيف عقيقي الخطاب المباشر أحيانا والمشفر أحيانا أخرى ( الخطاب السياسي) ، كما لم يخل خطابه من الكوميديا السوداء التي نقلت يوميات النازح السوري في بلاد الأرز، في هذا العرض نجح جوزيف عقيقي في تقديم عديد الأدوار واللهجات والجنسيات والحالات الإنسانية بتقلباتها من خلال مونولوج جمع بين الكوميديا والدراما.
يجسد جوزيف عقيقي في المسرحية أربع شخصيات ترمز للنازحين بمختلف أفكارهم وتوجهاتهم وأهدافهم الأولى أو الشخصية الرئيسية وهي الراوي وتمثل الشاب الثائر الرافض للهجرة لولا ما تركته تجربة الاعتقال من ضرر نفسي وجسدي داخله، أما الشخصية الثانية فهي “هيثم” صديق البطل ورفيقه في المعتقل شخصية انتهازية حيث استغل ما مرّ به للنجاة من خلال التقرب للمنظمات الدولية، في حين يمثل “علي موسى” شخصية البطل الذي بترت ساقه نتيجة التعذيب وفقد عائلته، و الشخصية الرابعة هي الكاتب رامز سليمان الذي انتحر في فندق ببيروت بعد أن فقد كل أمل في النجاة (تستغل الشخصية الرئيسية هوية الكاتب المنتحر للعبور إلى أوروبا).
تسعون دقيقة شاهدنا خلالها ملخصا لحياة نازح سوري بسيط، غارق في أسئلة وجودية لا إجابة لها، السوري الذي يبحث عن طوق للنجاة فيجد نفسه في طوابير طويلة أمام السفارة، أو في مواجهة يومية مع الأمن لإثبات هويته، أو مع مهربين همهم الوحيد الربح المادي دون إيلاء أدنى أهمية لأرواح الآلاف.
“ترانزيت طرابلس” عكست بلغتها وموسيقاها الواقع المرير والمعاناة التي يواجهها كل نازح ولاجئ سلبت منه حريته واغتصبت أرضه وانتهكت حرمته ودفعته ويلات الحرب الى الهروب بحثا عن برّ الأمان وما يواجهه في هذه الرحلة من صعوبات، فطرابلس لم تكن سوى “ترانزيت” أو منطقة العبور الى الأرض الموعودة.
رغم سوداوية المشاهد وقتامتها خاصة المشهد الأخير من المسرحية الذي يتحول فيه لون البحر الى الأحمر الفاقع في رمزية الى دماء كل من ابتلعهم البحر، فإنها لم تخل من لحظات إيجابية ترمز للحياة سواء من خلال قصة عشق النازح للفتاة “ريتا”، أو من خلال ارتدائه لجناح العصفور ومحاولة تحليقه في إشارة الى حلم الحريّة والتحرّر.
(المكتب الإعلامي لأيام قرطاج المسرحية)