العدوانُ الثلاثيّ على سوريا في ظلِّ فَسادِ السياسةِ الدّوليّة

هادي دانيال-

كُلّما حَقَّقَ الجيشُ العربي السوريّ وَحُلَفاؤه انتصاراً جديداً على الجماعات الإرهابيّة أدوات المشروع الغربي الصهيوني الأعرابي التركي لتدمير الدولة السوريّة ، تداعَتْ واشنطُن وأتباعها في أوربا ( بريطانيا وفرنسا) وتركيا والمنطقة العربية مِن الخليج إلى المحيط (خاصة قطر والسعوديّة) لِفَبْرَكةِ ذريعةٍ يتَوَهَّم الغربيون في واشنطن ولندن وباريس خاصة أنّها بديلٌ عن غطاء الشرعيّة والقانون الدوليين قد يُتيحُ لَهُم التدَخُّلَ العسكريّ العدواني لِنَصْرَةِ الإرهابيين في سوريا وتوجيه ضربات للبنية التحتية للجيش العربي السوري ، أو يُساعِدُهُم في تجييش المزيد مِن الدُّول لتشديد العُقوبات “الممكنة” ضدّ روسيا الداعمة للدولة السورية دبلوماسيا وعسكريا مِن خارج الأراضي السورية وَمِن داخِلِها . وفي هذا السياق كانت فبركة مسرحية استخدام الأسلحة الكيميائيّة في مدينة “دوما” السورية قرب دمشق لاتهام الجيش السوري (وهي مسرحيّة تقف وراءها المخابراتُ البريطانية التي تدير “المُنَظّمة” المُسَماة “الخوذات البيض” التي تتلقى ملايين الدولارات سنويا لتنفيذ أدوار مشبوهة) ، وكذلك إقدام المخابرات البريطانيّة أيضاً ، ولكن هذه المرّة في لندن على صناعة سُمّ حَصَلت على تركيبته إبان انهيار الاتحاد السوفياتي واستخدامه في اغتيال “سيرغي سكريبال” الجاسوس الروسي الذي كان يعمل ضدّ بلاده لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا ، لاتهامِ المخابرات الروسية بهذه الجريمة المُفتَعَلَة . وذلكَ كلّه في سياق مُعاقَبَة روسيا التي تُسانِدُ الدولة السورية في مُواجَهةِ الإرهاب وتُدافِعُ عن القانون والشرعيّة الدوليين التي ما فتئتْ واشنطن وحلفاؤها ينتهكونهما بأبشع الطُّرُق والوسائل وأوهى الذرائع.

وإذا لم تُجْدِ هذه الذريعة انتَقَلَتْ إلى أخرى مُسْتبيحةً جميعَ النشاطات الإنسانيّة لتدنيسِها بتسييسِها ، وَالرياضة مِن هذه النشاطات التي يُفْتَرَضُ أنّها أبْعَد ما تكون عن الاستخدام السياسي ، إلا أنّ لندن وواشنطن لا تتردَّدان في استخدامِها إن تَمَكَّنَتا للضَغْطِ على مُوسكو وَمُعاقَبتِها (فكم مِن مَرَّةٍ حالت دُون مُشاركَةِ فِرَق روسيّة في مُسابقات ألعاب دوليّة مُتَّهِمةً زوراً وبُهتاناً بَعْض نُجُوم الرياضة الروسيّة باستخدام مُنَشِّطات ؟) . فإبّان أزمةِ أبخاذيا وأوسيتيا الجنوبية أقامتْ جورجيا جبهة ضدّ اختيار مدينة “سوتشي” الروسيّة لإقامة الألعاب الأولمبيّة سنة 2014فيها ، وجَنَّدَ الغَرْب ما يُسَمّى ” أحزاب الخضْر” الأوربيّة لِشَنِّ حملة ضدّ اختيار “سوتشي” ، بزَعْمِ الحرص الكاذب على الوَضْعِ البيئي لمدينةِ “سوتشي” الواقِعَة على البحر الأسود في منطقة القفقاس. والآن وفي سياق المحاوَلات الأمريكيّة الدؤوبة للضغط على موسكو لم تعْدَم واشنطن الوسائل لِمُحاوَلةِ عَرْقلة مونديال روسيا 2018 لكرة القدَم الذي تأكّدَتْ مبدئيا مُشاركة مُنْتَخبات 31دولة فيه ليس بينها الولايات المتحدة التي لم يتمكّن فريقها مِنَ الترَشُّح.

وَمِن وسائل الضّغط أنَّ الاتحادَ الأمريكي لكُرَةِ القَدَمِ يُريدُ أن يُنَظِّمَ بُطُولةً وديّة تَجْمَع فِرَقَ الدُّوَلِ التي لم تتأهّل للمُشاركة في مُباريات بطولة كأس العالم لكُرَةِ القَدَمِ في روسيا التي سوف تحتضنها 11 مدينة روسية هي: موسكو، وكالينينغراد، وسان بطرسبورغ، وقازان، وفولغاغراد، ونيجني نوفغورود، وسامارا، وسارانسك، ورستوف نا دونو، وسوتشي، ويكاترينبورغ.، وَذلكَ في محاوَلة أمريكيّة حمقاء لِلَفْتِ الأنظار عن المونديال الأصلي. بَل إنّ لندَن في مَسْعىً بائس للتقليلِ مِن أهميّةِ مونديال روسيا 2018 وَجَّهَتْ وسائل إعلامِها (الديمقراطيّة؟) لإجهاض حماسة عُشّاق كُرةِ القدَم والمُتَشَوّقين للتوجُّهِ إلى موسكو لمتابعةِ المونديال بتَسويقِ أفكارٍ سلبيّةٍ مِن نَوْعِ أنّ نُجُومَ كُرة القَدَم في العالم لن يحضروا المونديال لأنّ فِرَقَ بلدانِهم لم تترشّحْ ، باذلين الكثير مِن الجّهد لتلميعِ هذا اللاعب أو ذاك فقط لأنّه لن يحضرَ أولمبياد روسيا 2018، مُتَجاهِلين حقيقة أنّ نجومَ كرةِ القدَم الحقيقيين سيحضرون مع فِرَق بلدانهم التي حالفها حَظُّ الترَشُّح كالأرجنتيني “ليونيل ميسي” تمثيلا لا حَصْراً. ناهيكَ عن أنّه ،وبحسب الموقعِ الرسميّ لـ”فيفا”، قد تمّ اختيار الأرجنتيني دييغو مارادونا والبرازيلي كافو والإيطالي فابيو كانافارو والفرنسي لوران بلان والإنكليزي جوردون بانكس والإسباني كارليس بويول والأوروغواياني دييغو فورلان وأسطورة القدم الروسيّة نيكيتا سيمونيان البالغ من العمر 91عاماً، لمساعدةِ الإنكليزي غاري لينيكر في حَفلِ قرْعة مونديال روسيا، كما أنّ هدّاف المونديال التاريخيّ ميروسلاف كلوزة سيقومُ بإحضارِ كأسِ العالَمِ إلى المِنصّةِ أمامَ الحُضور.

إلا أنَّ التصعيدَ في هذا الاتّجاه بَلَغَ دَرَجَةً قُصْوى عنْدَ بريطانيا التي تُهدِّدُ بمُقاطَعَةِ مونديال روسيا في حال تأكُّدِ ضلوع موسكو في اغتيال الجاسوس “سكريبال” ، وعلى غرارها تُهدّد أستراليا وبولندا واليابان بالانسحاب. وتَشْهَدُ وسائل الاتصال الاجتماعي حملاتٍ رخيصة تدعو إلى مُعاقَبَةِ روسيا لأنّها تُعاضد الدولة والشعب في سوريا في مُواجَهةِ الإرهاب التكفيري والدوَل التي تقِفُ وراءَهُ تمويلاً وتجنيدا وتدريبا وتسليحا .

وإذا كانت الإدارات الأمريكيّة تعتمد عادَةً القوّة العسكريّة وافتعال الحروبِ لتعزيز مصالحها الاقتصاديّة ، فإنَّ قانون الكاوبوي وتحديداً المُتَعَلِّق بما يُسَمّى “صيّاديّ الجوائز” هو المرجعيّة الرمزيّة التي يعتمدُها “دونالد ترامب” في سياستهِ الخارجيّة في السّياقِ ذاته ، فالزبون السعودي يدفع مليارات الدولارات جائزة للقاتل “صيّاد الجوائز” مُقابلَ قَتْل الدولة السوريّة ، لكنّ الأخيرة “صَيْدٌ ” غَصيّ على أيّ صيّادٍ (مَحليّ أو إقليميّ أو دوليّ) .

وهذا اللا منطق هُو الذي يحكم السياسةَ الدوليّةَ وَيُؤَكِّدُ فسادَها حاليّاً . والمُفارَقَةُ هُنا أنَّهُ حسب تصريحات “حمد بن جاسم ” وزير الخارجيّة القطريّ السابق لتلفزيون قطَر الرسميّ مُقارِباً طبيعة العلاقات مع السعودية بشأن الملف السوري حين قال: “احنا تهاوشنا على الصيدة، وفلتت الصيدة واحنا قاعدين نتهاوش عليها” ، فإنَّ هذه “الصيدَة” كانَ يَتَنافَسُ عليها صيّادا جوائز خليجيّان تتمَثَّلُ جائزةُ كُلٍّ منهما مُقابل تدمير سوريا “الصيدة” برضى واشنطن وتل أبيب عليهما وَاحتفاظهما بدفّةِ الحكم في الدوحة والرياض ، أمّا مع مجيء “ترامب” مِن عالم “البزنس” فقد طرأ تغييرٌ قَلَبَ المعادلة في طرفها المُتَعَلِّق ليس بال”صيدة” ، إنّما بالصيّاد والجائزة . فالصيّادُ الآن ليسَ قَطَر والسعوديّة بل الولايات المتحدة والمملكة المتّحدة وفرنسا ، أي رموز الاستعمار الحديث والقديم، الذين يتنافسون في إطلاق رصاص مُسدّساتهم (ال ف15 والميراج والرافال والتورنادو) في استعراضٍ يانكويّ على الهدَف السوري مُقابلَ جائزةٍ تُقَدَّر بمليارات الدولارات تدفعها الرياضُ والدّوحةُ للصيّادين الجدد الأمريكي والبريطاني والفرنسي مع مُلاحظة أنّ الصيّاد الأمريكي يَضَعُ غلى صدرهِ المُنْتَفِخ شارة “الشريف” أيضاً.

إنَّ العدوانَ الثلاثيّ الغَرْبيّ الذي يستعيد بَعْدَ 62عاماً سيناريو العدوان الثلاثي سنة 1956على مصر، بَعدَ أن حَلّتْ فيهِ الولايات المتّحدة هذه المرّة مَحَلَّ “إسرائيل” حَصَدَ الفشَلَ ذاتَه بَل تَوَّجَ الرئيسَ جمال عبد الناصر قائداً وَرمزاً لنضال شُعوب المنطقة ضدّ الإمبريالية والصهيونيّة والرجعيّة في تلك المرحلة ، كيفَ لا وأنَّ صناديدَ الجيش العربيّ السوريّ أحفادَ الضابط السوريّ “جول جمّال” الذي أفْشَلَ العدوان الثلاثينيّ على مصر ، هُم الذين أفشلوا العدوان الثلاثي على سوريا فجْرَ السبت 14/04/2018 لِيُتَوَّجَ الرئيسُ بشّار الأسد قائداً ورمزاً لنضالات شُعُوب المنطقة ضد الإرهاب الإمبريالي الصهيونيّ الرجعيّ؟ .

ولكن يجب التَّنَبُّه إلى أنَّ قوى الشرّ في واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب إضافةً إلى عقارب وأفاعي عواصم الرمل والملح الخليجي لن تستسلمَ بسهولة وستظلّ تُناوِرُ وَتُخادِعُ تارَةً مع موسكو وأخرى مع طهران ولن تدّخِر جهداً أوَ وسيلةً أو نشاطاً إنسانيّا لتوظيفها جميعاً مِن أجْلِ استئنافِ مَشروعِها الذي تَقَلَّصَ (مُؤَقَّتاً) مِن إقامَةِ الشّرْق الأوسط الكبير إلى حَلِّ العقدة السوريّة التي أوقفتْ ذلكَ المشروع الجهنّمي الذي بدأ بأفغانستان والعراق. وستستخدم الآن ما تبقّى في خزائن الخليج لتنفيذ السيناريوهات القذرة ليس ضدّ سوريا فقط بل وضدّ حلفائها وخاصة روسيا وإيران و”حزب الله”. ولذلك إذا لم يكن حلفاؤنا المذكورونَ في أقصى درجات الحَذَر مِن مكائدِ ترامب وماكرون وماي وأردوغان ، أو إذا تراخوا أو تباطأوا في الردّ الناجع على أيّ عدوانٍ ضدَّ بلادنا سوريا فإنّ التحالف الغربي الصهيوني الرجعي سيَتَجَرّأ على هؤلاء الحلفاء جميعاً. وفي هذا السياق لا نستبعدُ أنَّ تصعيداً غربيّاً ضدَّ موسكو سيكون مِن بعْضِ مُفرداتهِ الضّغط على الدُوَلٍ التي ترشحتْ فِرَقُها الوطنية مثلَ المغرب وتونس ناهيكَ عن السعوديّة كي تُقاطِعَ مونديال روسيا 2018، بل قد يتطوّر الأمر إلى سحْبِ سفراء الدول الدائرة في فلك واشنطن مِن موسكو تمهيداً لإغلاق تلك السفارات ، غير آبهةٍ بمصالح شعوبها ناهيك عن مستقبل السلام الدولي. ويصدر هذا التَّطَيُّر عن خلفيّة نشأت في السنوات السبع الأخيرة عندما أقدَمَتْ حكومة تونسيّة على خطوت كهذه اقتَفَتْها الحكوماتُ التونسيّة اللاحقة على الرغمِ مِن إدراكِها حُمْق تلكَ الخطوة المُقْتَفاة ، لكنّ إملاءات واشنطن وباريس ولندن والدوحة وأنقرة والرياض وأبي ظبي جَعَلتْ تلك الحكومات تتبع سياسة غلق الأبواب خلفها وهي تندفع إلى الأمام صَوْبَ الهاوية الصهيو أمريكيّة الرجعيّة كي لا نقول “أخذَتْها العزّةُ بالإثم” الإرهابيّ.

وهذه الحكومات هُنا وهناك عندما تزدادُ ضعفا حتى تلاشي إرادتها الوطنيّة كُليّاً أمام أشكال الرشوة التي يتصدّرها حاليّاً المالُ الخليجي (مال البترودولار والحجّ دولار والعمرة دولار) لن تَقلق مِن العدوان القادمِ على دمشق بل قد تُشاركُ فيه بأكثر مِن الصَّمْتِ المُتَواطئ ، ولا ريب في أنّها لن تتردَّدَ في العداءِ المُعْلَن لحُلفاءِ الدولة السوريّة وفي مُقَدّمتهم روسيا فلاديمير بوتين متراس الشرعيّة والقانون الدوليين الأخير في مُواجَهَةِ وُحُوش شريعة الغاب الجُّدُد.

لذلك فإنَّ شعوب العالم وبينها جماهير الرياضة وخاصة كرة القَدَم عَبْرَ العالم مُطالبُون بأن يفتحوا عيونَ وَعيِهِم الجّمْعي كي يُبْقوا على الأقلّ نشاطاتِهم الإنسانيّة جسورَ سلامٍ بين الشعوب بعيداً عن التجاذُبات السياسيّة وخاصّة تلك التي تَقرع طبولَ الحرب الباردة أو الساخنة ، فوقودُ الحربِ في تلك الحالتين دِماءُ البَشَر.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.