“الطريق إلى رام الله”.. حينما تكون الموسيقى امتدادا للمقاومة

 يسرى الشيخاوي-

 

هناك في فلسطين، اتخذ البعض المقاومة دينا وديدنا، تختلف الأسلحة وتتنوع الأساليب ويظل الهدف واحدا دحر الاحتلال، وبين حمل الحجارة او السلاح والصراخ برفض الاحتلال والعزف في شوارع فلسطين تسكن رغبة ملحة في الانعتاق لا تغادر ارواحا سئمت سطوة المحتل.
 
ويبقى الاحتلال واحدا وتتعدد أساليب المقاومة، في صورة لا تختلف كثيرا عن "الاحتلال" الذي تحمله الايام في طياتها ويسكن منعطفات الحياة، ولعل الفنون من الملاذات التي نجنح إليها للمقاومة والثورة والتمرد على الواقع.
 
وقد اختار عازف الكمان زياد الزواري أن يحيي فلسطين والشعب الفلسطيني عبر مقطوعة موسيقية سمّاها "الطريق إلى رام الله"، وهي مقطوعة مستلهمة من "عين قينيا" المكان الذي صوّرت فيه بإمضاء كل من بلال الخطيب ومشال قواسمي.
 
و"عين قينيا" قرية صغيرة قديمة وعريقة تحاكي عمق الموسيقى في زخمها، وتشهد كل مرة على قدرة الإنسان على المقاومة والإيغال في تفاصيل الحياة ما استطاع إليها سبيلا، هي لوحة فنية مدادها الأمل والحلم، هي حكاية صمود قرية في وجه المحتل.
 
لا شيء يوحي أن الاحتلال مرّ من هنا، السماء صافية جدّا كصفاء أرواح الأطفال الذين ارتقوا في الانتفاضات التي شهدتها فلسطين، والأرض الخضراء كأنها قطع متناثرة من الجنّة، هنا كل التفاصيل مقتبسة من النعيم، هنا تعانق الموسيقى النسيم وتقول ما لا يمكن قوله وما لا نستطيع السكوت عنه.
 
تداعب نغمات كمان زياد الزواري النسيم وتستنطق الحياة على تخوم الاحتلال، ترتّب فوضى الزمان والاحداث وينتفي على وقعها ارتباك الترقب والانتظار، انتظار الاستقلال الذي لا يخبو بريقه مهما طال.
 
وتراود الإيقاعات التي يخلقها عبد القادر بلحاج قاسم، حجارة المكان الصماء فتخرجها عن صمتها، وتلامس خضرة الأرض وزرقة السماء، وتلتقي مع نغمات الكمان عند حدود الحلم، الحلم بغد أفضل، وتأسرك تفاصيل قرية "عين قينيا" وتتوه بين أشجارها ومساحاتها الخضراء الساحرة.
 
وفي قرية تقع في بلد محتلّ، كانت الكمنجة سلاح العازف زياد الزواري، وكانت الموسيقى زاده وعتاده، تتماهى مع ايمانه بالقضية الفلسطينية، وتروي حكايات عن التحدّي والمقاومة وعن حب الوطن والأرض.
 
وعلى إيقاع الموسيقى، التي تقف أمامها اللغة عاجزة، تصرخ الطبيعة "تحيا الحياة" في كل لون لحن وكل إيقاع وكل تفصيل، وتتشبّث الطبيعة بألوانها رغم كثرة الدائسين والعابثين.
 
سمفونية من الألوان والألحان تغزو المكان وتخلق من التناغم بين صمود الطبيعة وتحدّي الإنسان موسيقى ساحرة، وأنت الآن لست فقط أمام معزوفة آسرة أنت أمام تجربة حسية جمالية تستطلع فيها وجوه المقاومة، وفي "عين قينيا" تتحد كل العناصر لتخلّد ملاحم الصبر.
 
ويبدو صوت الكمان إذ لامسته انامل زياد الزواري شبيها بآهات الأمهات اللاتي استشهد أبناؤهن على يد المحتل وبأنات العجائز والشيوخ الذين يحلمون باستعادة الأيام الخوالي، وبصراخ اليتامى وتنهيدات الأسرى، وأحيانا يبدو شبيها بابتسامات الشهداء وزخات الأمل وترانيم التحدّي.
 
وتحاكي الإيقاعات صوت وقع الأقدام على أرض في المظاهرات، وارتطام الحجارة بالاسفلت، ورنين الدبابات ولعلعة الرصاص وما بينهما من أنفاس المقاومة.
 
و"في الطريق إلى رام الله" يولد الأمل من رحم اليأس وتتراءى لك أبواب فلسطين العتيقة مفتوحة على مصراعيها مستقبلة حلم الاستقلال، وأشجار الزيتون شامخة صامدة ونظرات الحنين والنصر في أعين أبناء هذه الأرض، ولئن ينهي فيديو المعزوفة بإحالة إلى الاحتلال من خلال الأسلاك الشائكة إلا أنّ السماء تحافظ على صفائها وكأنها تقول إنها تحفظ الامل بين غيماتها وهذه الأسلاك لا تكتم صوت الموسيقى الذي يتجاوزها ليعانق السماء.
 
 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.