الصمّ ولغة الاشارة: اهمال كبير من الدولة.. وتألّق تونسي خارج أرض الوطن..

مروى الدريدي-

اللغة سمة بشرية وهبة إلاهيّة بها نعبر ونتألّم ونعيش ونتندّر ونخفف عن أرواحنا كدرا قد يصيبها، لكن ماذا عن أولائك الذين لا يملكون لسانا ناطقا؟ لغتهم الوحيدة هي الاشارات عبر تحريك كل ما يمكن ان يعبر عن كلام فيهم، ويحاول كل من يتواصل معهم أن يسبر أعماق أنفسهم علهم يظفرون بمعنى لهذه الاشارات.

هم الصمّ، من احترفوا لغة الاشارات فهم يتواصلون بها منذ أن دبّ الوعي في عقولهم هي حياة بالنسبة إليهم، من خلالها يفرحون ويعشقون ويعبرون عن مشاعرهم وتفتح لهم أبواب التواصل مع الآخر الناطق.

الصم على هامش الحياة

غير أن الصمّ في تونس قليلو حظّ، وضعتهم الدولة على الهامش وحادت عن طريق الاهتمام بهم، الذي يبدأ ضرورة من مرحلة الطفولة ويتواصل حتى الكبر.

ولا أدلّ على التهميش الذي تعانيه هذه الفئة من غياب الاحصائيّات العلمية عن عددهم والمراحل العمرية التي ينتمون إليها، وفقا للمختص في لغة الاشارة الفرنسية، وائل الڨرماسي.

ووائل قرماسي هو تونسي مترجم لغة الاشارة بفرنسا، ورئيس جمعية الصمّ بفرنسا وعضو المنظمة العالمية للصمّ بواشنطن، وهو ابن لأب وأم من الصم، ويفخر بذلك كثيرا،

وتحدث لحقائق أون لاين، عن فئة الصمّ بتونس، معتبرا أن نظرة المجتمع لهم ولأبنائهم مؤلمة وقاسية جدّا، إذ يطلق عليم لفظ "بكوش" أو "ولد البكوش" إذا كان والداه من الصم، فضلا عن النظرات التي يرمقونهم بها.

وتابع وائل القرمازي بالقول: "إن لغة الاشارة غير معترف بها في تونس، فضلا عن مهنة مترجم لغة الاشارة، إذ لا وجود لمهنة بهذا الاسم، ومن يتخرّج في هذا الاختصاص يُصطدم بهذا الواقع".
ولفت إلى أن الجامعات التونسية لا تهتمّ بلغة الاشارة علميّا وبيداغوجيا أو بتكوين مختصين في هذا المجال، على غرار الاردن التي جعلت من لغة الاشارة اللّغة الثانية للبلاد.
 
وبيّن أن مجمل هذه الاشكاليات، بالاضافة إلى اتهامه من قبل البعض بسعيه وراء المناصب في تونس، جعلت أكثر أنشطته بالخارج، رغم أنه لم يُخف حبه لتونس وأمله بأن المستقبل سيكون أفضل بها لفئة الصمّ.
 
الاهتمام بالطفل الأصمّ
من أهمّ الصعوبات التي يعاني منها الطفل الأصم في تونس، وفق وائل القرمازي، هي تدريسه بيداغوجية الطفل الناطق، وهي من أكبر الأخطاء التي وقع فيها القائمون على هذا الاختصاص، إذ أن الطفل الأصمّ يجب أن يدرس لغة الاشارة لأنه يتحدث ويقرأ بالاشارة، ويجب تدريسه جميع المواد بالاشارة لا أن تدرّس له مثل الاطفال الناطقين.
 
وبيّن أن هذا الواقع أفرز 95 بالمائة من الصمّ أميّين، كما أنها فئة غير معترف بها ومهمشة بالاضافة إلى تعرّض من سمحت لهم الفرصة لمواصلة تعليمهم لصعوبات تحول دون وصولهم إلى مراتب عليا.
 
اللغة الأم..
وللغة الاشارة أهمية كبرى في حياة وائل قرمازي، فهي "لغته الأم" لأنه ولد لأب وأم من الصمّ وترعرع ونشأ في هذه البيئة التي جعلت من لغة الاشارة لغة عادية في حياته، وشغف بها وواصل تعلمها أكاديميّا في باريس.
تحدث القرمازي عن نظرة المجتمع حيث كان يلقب أحيانا بـ"ولد البكوش" وكان الجميع يرمقه بنظرات غريبة عندما كان يتواصل مع والديه في الفضاءات العامة بلغة الاشارة، إلاّ أنه كان يعي تماما بأنها لم تنقص من حب والديه شيئا في نفسه بل كان يفخر بهما ولهما الفضل الكبير لما بلغه اليوم من نجاحات.
 
تألق ونجاحات.. 
لشغف والحب اللّذان دفعا بوائل القرمازي لمتابعة تعلم لغة الاشارة بفرنسا، جعلاه يتميّز على الصعيد العالمي، ويحصد عدّة جوائز من بينها جائزة من وزير الثقافة القطري في إحدى المنتديات العالمية سنة 2013، وجائزة في منتدى عالمي للّسانيّات في واشنطن بعد مشاركته بورقة عمل عن كيفيّة تجميع لغة الاشارة العالمية سنة 2015، وأحسن ثالث ورقة عمل بالاردن سنة 2016، وتحصل حينها على جائزة من وزير الثقافة الامير الأردني، اضافة إلى جائزة من قبل البرلمان الماليزي وعدة جوائز أخرى من فرنسا أين يمارس عمله بها.
 
كما شارك في عدة دورات تكوينية للأساذة في علم لغة الاشارة بالمغرب وزار 5 ولايات بتونس وأجرى بها دورات تكوينية في علم الاشارة وفي الترجمة..

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.