يسرى الشيخاوي-
في السنوات الأخيرة، لا تمر من شوارع العاصمة إلا وتشدك ترانيم شباب وجدوا في فن الشارع ملاذا، يعانقون غيتاراتهم أو يربتون بأياديهم على الآلات الإيقاعية، وبين الأنغام والإيقاعات تصدح أصواتهم متحرّرة من أغلال النمطية.
في حضن الشارع ألقوا ألحانهم وكلماتهم ومارسوا الفن وفق تمثلاتهم، وبين البلاط والسماء تتسرب موسيقاهم وأغانيهم ويرسمون ملامح عوالم تشبه جموحهم وجنونهم وإصرارهم على المرابطة بالشارع واستنطاق الجمالية على تخوم القبح.
ففي الشارع، ذلك الفضاء الذي يبدو لك لوهلة متحررا من سطوة الجدران لم يتخلص بعد من عقلية مريضة جبلت على إيذاء الآخر يبخسون فعله الذي يرى فيه سبيلا للسعادة ولإثبات الذات، ولكن الجميل أن من اعتنق فن الشارع تعفف عن هذه الفئة وتجاوز أذيته.
وكمال خاتم من بين هؤلاء الذين مضوا في درب فن الشارع وخاضوا تجربتهم بغض النظر عما لحقه من أذية طمس أثرها كلما عانق غيتاره واسترسل في العزف والغناء على ايقاع تفاعل فئة تمنحه شحنات من الأمل ليمضي الامام، وفق حديثه.
عامان، قضاهما خاتم وهو يعزف في الشارع، تراه في انهج العاصمة يزين الأثير بموسيقاه وصوته الموشح بإحساس مرهف ، في البداية كان يغازل اوتار غيتارته فحسب إلى ان صدح بالغناء واكتشف من حوله صوته الجميل.
في البدء كان يطوف شارع الحبيب بورقيبة ويستقر بأحد المواضع ويرسل ألحان موشحة بالأمل والحماسة، وقبل سنة دعاه أحد الشباب الذين سبقوه في اعتناق فن الشارع إلى مشاركته العزف والغناء في شارع مرسيليا المفعم بالحكايات، وكانت تجربة جميلة، وفق تعبيره.
منذ تلك التجربة صار لا يعزف إلا ليغني، كما اقتنى غيتارة اخرى لتبلغ أنغامها أسماع الجمهور الذي يتحلق به ليستمتع بموسيقها مزاجها من محبة، ومن شوارع العاصمة صار يتنقل إلى الضاحية الشمالية وينثر الموسيقى بين ثناياها.
بطريقة عصامية تعلم العزف على الغيتارة وصار يتقنه ويستدر به إعجاب المتابعين له، وبالتوازي مع فن الشارع يدرس في السنة الثانية من التعليم العالي اختصاصا بعيدا عن الموسيقى التي يمارسها خارج الأطر الأكاديمية.
مواقف مؤسفة تصادف كمال خاتم في قلب الشوارع التي آل على نفسه أن يسكب فيها نوتاته، كأن يتربص بعضهم بالصندوق الذي يضع فيه المعجبون بفعله نقودا فيحزم غيتاره ويغادر المكان.
وبعض المتفنّنين في إحباط العزائم لا يتوانون على الهمس في أذنه أنه يستجدي عطف المارة بما يفعل وأن الامر ليس سوى ضرب من التسول، يتأذى من كلماته لكنه يستلهم منها القوة ليستمر في درب اختاره و هو يعي أنه محفوف بالأشواك، وفق حديثه.
في المقابل، وجوه مستبشرة تقتفي أثر صوته وموسيقاه، أصحابها يطلبون أن يغني لهم اغان بعينها ويشاركونه الغناء ويتقاسمون معه لحظات من السعادة والنشوة تنسيه سخافات البعض الآخر.
في الشارع، استبطن حكايات كثيرة تلتقي عند الحب والموسيقى وصنع منها كلمات أغان "pop" باللغة العربية ألحانها مزيج من نغمات البيانو والغيتارة سيسجلها قريبا ويقوم بتنزيلها تباعا.
تجربة جديدة بالنسبة له، يخوضها بين جدران استديو التسجيل بعد أن انسابت موسيقاه في فضاءات مفتوحة ولكن تظل دعواه دائما وأبدا "الشارع فن.. حبوا الشارع"، وهي رسالة لكل من يعتقد ان الشارع فضاء لنفث الشر والاذى.