لطالما كانت العلاقات الليبية التونسية غير مستقرة خاصة بعد إعتلاء العقيد معمر القذافي الحكم الذي أفسد بمزاجه السيئ و قراراته الإرتجالية مزاج تلك العلاقة.لكن بعد الثورتين اللليبية و التونسية أخذت هذه العلاقة منحى نحو الإستقرار خاصة بعد إستقبال تونس لأكثر من 800 ألف لاجئ ليبي و من جنسيات أخرى .
بعد إنتهاء الثورة الليبية كانت آمال الشعبين تتطلع إلى علاقات أكثر تكاملا و أكثر قربا و ازدهارا على المستوى الإقتصادي.لكن ما نلمسه اليوم من إهمال من الجانب التونسي و الليبي لهذه العلاقة و الوضعية الأمنية غير المستقرة لكلا البلدين جراء التهديدات السلفية المتواصلة في تونس و انتشار الأسلحة في ليبيا ينذر بتدمير هذه الآمال .
قبل 14 جانفي 2011 كانت ليبيا أول شريك اقتصادي لتونس على المستوى العربي و الخامس على المستوى العالمي فبلغت المبادلات مع ليبيا سنة 2010 أكثر من 6.2 بالمائة من حجم مبادلات تونس مع الخارج أي ما يقدر ب ملياري دولار بالإضافة إلى أكثر من 1100 شركة تتركز بليبيا ووصل حجم الصادرات التونسية إلى ليبيا حوالي 1000 مليون دولار و بلغ حجم الواردات من ليبيا ( 90بالمائة منها يمثل محروقات) حوالي 1100 مليون دولار .كما كانت السوق الليبية تستوعب من مليون إلى مليون و نصف تونسي سنويا للعمل و التجارة كما كانت تونس تستقبل نفس هذا العدد من الليبيين للسياحة و العلاج .
و يعتبر الخبراء أن ليبيا تمتلك مقدرات و ثروات تجعلها قوة اقتصادية إقليمية و يمثل النفط في الاقتصاد الليبي نحو 94 بالمائة من النقد الأجنبي و 30 بالمائة من الناتج المحلي و 60بالمائة من العائدات الحكومية .و تعتبر شركات البترول العالمية ان ليبيا تعوم على بحر من البترول حيث يبلغ حجم احتياطي النفط (تقديرات 2007) حوالي 41.5 مليار برميل و تنتج يوميا حوالي 1.6 مليون برميل لا تستهلك منها إلا 284000 برميل في السوق الداخلية .كما تحتوي ليبيا على سوق استهلاكية بحتة و قدرة شرائية مرتفعة إضافة إلى ضعف منافسة المنتج المحلي .و قد بلغ حجم الاقتصاد الليبي سنة 2010 قرابة 80 مليار دولار . و تمثل المنتوجات التونسية في غرب ليبيا من إجمالي المنتوجات المعروضة في السوق نسبة 60 بالمائة .و قد أشار وزير الاقتصاد الليبي الى أن ليبيا تستطيع استقبال خمسة أضعاف ما كانت تستقبله قبل الثورة من العمالة التونسية.
كثير من الصعوبات تعترض هذه العلاقات و تحول دون استقرار البلدين و مزيد من الترابط الإقتصادي فبالإضافة إلى الوضع الأمني المتردي على الحدود بين الدولتين و تهديد الإرهاب في تونس تنتشر الميليشيات المسلحة في ليبيا و تنتشر أسواق السلاح الخفيف و الثقيل على حد السواء مما جعل حكومات البلدين تركز جهودها على السيطرة على الأوضاع الأمنية .منذ الثورة أمضت الحكومات المتعاقبة على تونس و ليبيا أكثر من 80 اتفاقية بقيت في أغلبها حبرا على ورق من بين هذه الإتفاقيات إحداث منطقة تبادل حر في بنقردان .كذلك ينضاف إلى هذه العوائق إنهيار الدينار التونسي الذي وصل إلى معدل 0.73746 دينار ليبي و نسبة التضخم التي وصلت سنة 2013 إلى نسبة 6.2 بالمائة مما يؤثر سلبا على المستثمر التونسي أكثر من الليبي و خاصة المصدرين .عنصر أخر أصبح يهدد العلاقة الإقتصادية التونسية الليبية و هو دخول المصريين بكل ثقلهم على الخط لربح عقود إعادة الإعمار و تتحدث صحف مصرية عن أن الشركات المصرية ربحت ما يقدر ب مليار دولار عقود إعادة إعمار في ليبيا و أن حوالي 200 شركة مصرية وجدت موطئ قدم في ليبيا الجديدة هذا بدون الحديث عن نصيب البلدان الغربية و حلف الناتو الذي ساهم بشكل كبير في إسقاط النظام السابق .
في موازاة ذلك تفاقمت ظاهرة التهريب في ظل الأزمة التي يشهدها البلدان في المناطق الحدودية من انعدام المشاريع التنموية و كثرة البطالة و قد تحدث تقرير كرايزس جروب بتاريخ 28 نوفمبر 2013 عن هذه الظاهرة على الحدود الليبية و علاقتها الوطيدة بالإرهاب و كيف أن هذه الظاهرة تفقد توازن إقتصاد البلدين و تزيد من نسبة الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الهيكلي حيث وصل في تونس سنة 2013 إلى حدود 50 بالمائة .
الرؤية الصائبة و الجدية التي تتجه نحو تحقيق مستقبل شفاف و واضح لكلا البلدين هو التوجه نحو تحقيق التكامل الاقتصادي من خلال ما يتوفر للبلدين من طاقات . لتحقيق ذلك لا بد من إرادة سياسية واضحة و قرارات جريئة و اتخاذ خطوات جدية و قد أشار البنك الإفريقي للتنمية في تقرير نشره إلى حزمة إجراءات من الواجب اتخاذها نذكر منها :
-ضرورة تفعيل الاتفاقيات الممضاة من قبل البلدين و التي وصل عددها إلى أكثر من 80 اتفاقية.
-إقامة منطقة تبادل حر بين البلدين خالية من العوائق الجمركية و الجبائية في الحدود.
-إقرار حرية التنقل و السكن و الإستثمار لمواطني كلا البلدين دون قيود.
-إحداث الطريق السيارة صفاقس طرابلس لربط شبكة الطرقات ببعضها لتسهيل التنقل.
-توحيد نشاط الخطوط الجوية الليبية التونسية.
-سن مجلة موحدة للإستثمار بن البلدين لخدمة رجال الأعمال الليبيين و التونسيين على حد السواء تضمن حقوق الطرفين و فتح المجال امام المستثمرين الليبيين و التونسيين للإستثمار في كافة القطاعات دون قيود.
بما يتوفر لها من كفاءات بشرية علمية و خبرات تقنية تستطيع تونس أن تساعد في بناء جارتها الدولة النفطية و هو ما يساعد تونس على تجاوز الأزمة الخانقة و التي في معظمها اقتصادية و يساعد ليبيا على تسريع بناء دولة تقوم على مؤسسات قوية و التخلص من سيطرة الغرب في المستقبل.