السلطة بين الغضب الجماهيري والزيف الديمقراطي

حياة الحفيان-

“النضال الحقيقي والصادق والأمين هو أن تنقذ الحرية والكرامة من مخالب التجارة ومن مخالب المتاجرين بالأوطان، قل كلمة حق لا تبتغي من ورائها منصبا ولا جزاء قلها حتى وإن حاصروك حتى وإن اعتقلوك بالنصوص والقوانين”.

فلا قيمة لوطن يوجد في معزل عن الحرية والكرامة وطن لا يعترف بالجماهير ويدعو الجماهير إلى الاعتراف به، هؤلاء أصحاب الفكر الواحد وأصحاب القرار الواحد هم من يقررون مصير شعوبهم ونمط عيشهم وحتى حقهم في الحياة، وإن حصل ودعوا جماهيرهم إلى ساحات الإنتخابات فستجد الجماهير نفسها تختار ما تم اختياره لها أن تختاره ليدخلونها في لعبة الديمقراطية الزائفة والتي تعمل على إيهام الشعوب بأنها صاحبة القرار وصاحبة الإختيار.

غير انه لا قرار يعلو فوق قرار الحاكم أو الملك او الرئيس فحينها لا تعدو الديمقراطية إلا ان تكون وهما طوباويا في وطن يخدمه البؤساء بدمهم ويحكمه الأثرياء بنفوذهم، فنجد أنفسنا إزاء الوطن المقبرة، وطن تقبر فيه الشعوب بتغييب كلي لإرادتها وإقصاء علني لإختياراتها غير أن التاريخ يشهد أن إرادة الشعوب مهما خمدت فإنه سيأتي يوم لتستفيق فيه وحينها سيحصل التصادم بينها وبين السلطة وسوف لن تجد هذه الأخيرة لنفسها مهربا غير الرضوخ لمطالب جماهيرها التي ستدفع بنفسها نحو الموت من أجل معانقة الحرية.

وقد تلجأ حينها السلطة إلى بث خطابات لا تخلو البتة من المغالطة تحركها ألسنة ناعمة وإن كان ظاهرها الإصلاح فإنها تحمل بين طياتها نوايا خطيرة هدفها الأول مغالطة الرأي العام وإيهامه أنها قد استجابت لمطالبه، وقد تلجأ كذلك إلى بث الفوضى والإرهاب من سرقة واغتصاب وحتى قتل وذلك قصد ترهيب الشعوب عبر أخبار وطنية عاجلة لا علاقة لها بالوطنية “البلاد تحترق” “البلاد تسرق” عناوين إخبارية مدبرة القصد منها برمجة عقول الجماهير وفق ايديولوجيا سياسية وفكرية معينة مفادها أن الحراك الشعبي لا يبعث إلا على الفوضى والإرهاب.

ولتفادي كل هذه الممارسات وجب على الجماهير العودة إلى ديارها، وهذا ما شهدته بلدان الربيع العربي التي أبت شعوبها العيش تحت سقف الاستبداد وأسقاف الاستبداد غالبا ما تكون آيلة للسقوط، شعوب آمنت أن الحرية والكرامة ليست مجرد مسائل عرضية طارئة وإنما هي مسائل موغلة في التاريخ البشري منذ القدم فجاء تاريخ الرابع عشر من جانفي من سنة إحدى عشر وألفين ليرفع الشارع التونسي شعارات جريئة وقادحة في ذلك الآن “خبز وما وبن علي لا” تبعته بقية الشعوب العربية مصر وليبيا واليمن وسوريا.

ولكن للأسف يبدو أن الديمقراطية في العالم العربي قصيرة المدى فالكثيرون في الخارج وفي الداخل على حد سواء عملوا على إجهاض الثورات العربية ففي تونس مثلا “تم الإبقاء على نفس النظام وأضفى النظام مشروعية جديدة على نفسه أبقى على نفس الإختيار وتم تدبير خروج الآمر (…) فجاءت اللحظة التاريخية مع اعتصام القصبة 2 حينما طالب التونسيون يومئذ لا برحيل رأس النظام ولكن الشعب يريد إسقاط النظام وجاءت المناورة تلو المناورة والمؤامرة تلو المؤامرة وللأسف القوى الثورية التي كان يجب أن تتصدر هذا المشهد انخرطت داخل المنظومة ومن يدخل البيت لا يسعى بطبيعة الحال إلى إسقاطه” فأن تثور الشعوب أمر سهل ولكن أن تصمد الثورة في وجه العودة الخفية للطغيان ليس بالأمر الهين على الإطلاق.

فللأسف “الإنفجار الثوري يقوده البؤساء والجياع ولكن بعد ذلك يحكمه الأثرياء أو من يتاجرون ببؤس هؤلاء”، وأمام هذه العودة الخفية للنظام السابق يصعد الإسلام السياسي ليدفع بالبلاد نحو الديمقراطية التشاركية وقد وضعت هذه الأخيرة ل”تبرير فشل الديمقراطية فيهيء لك انك تشارك ولكنك لا تشارك في صنع القرار” وقد يبعث هذا الواقع على الخذلان والتنكر لمطالب الشعوب فإنه يوجد داخل هذه البلاد ثروة عتيدة “ثروتنا الحقيقية ليست النفط وليست الغاز وليست الدولار أو الأورو ثروتنا الحقيقية هي الشباب” الشباب الذي وقف وجها لوجه مع السلطة ليسقطها من شأنه أن يعيدها للمرة الألف “حذار فإن تحت الرماد اللهيب”.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.