السبسي ولحظة التحري في قضايا الاغتيالات: مسؤولية وطنية أم ورقة انتخابية ؟

 بسام حمدي-

لطالما كانت قضايا اغتيالات الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وتأسيس أجهزة موازية، ورقات سياسية يحتد الخلاف بشأنها بين النهضة والباجي قائد السبسي مع كل تغير في العلاقة بينهما وحسب تطور الظرفية السياسية واقتراب المواعيد الانتخابية، حتى أضحت هذه القضايا نقطة تُطلق منها صافرة انطلاق العراك الانتخابي وتجديد الخلاف الايديولوجي.

وقبل الوصول إلى نقطة ما سمي بالتوافق وفي حملته الانتخابية الرئاسية، طالب الباجي قائد السبسي بالكشف عن قتلة شكري بالعيد ووعد بالتقصي في الجهات التي تقف وراء عملية الاغتيال في صورة انتخابه رئيسا للجمهورية ووصوله الى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكن ظل وعده الى حد الآن سرابا تلاحقه أحزاب الجبهة الشعبية التي تحالفت معه في جبهة الانقاذ ومجرد وعد زائف.

ولحظة وصوله الى سدة الحكم وطيلة فترة تحالفه مع حركة النهضة التي تتهمها الجبهة الشعبية بالضلوع في اغتيالي البراهمي وبلعيد وبتأسيس جهاز أمني سري، لم يحرك الباجي قائد السبسي ملف الاغتيالات واكتفى بلقاء أرامل الشهداء دون أن ينوي طرح هذه الملفات في اجتماع مجلس الأمن القومي بصفته رئيسا له.

ومع اتساع القطيعة بين النهضة والسبسي وبعد فترة قصيرة من انهاء مرحلة التوافق وسقوط آخر عناقيد ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية، حرّك السبسي من جديد قضية الاغتيالات واستقبل لأول مرة أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيدين محمد البراهمي وشكري بالعيد لاستعطاف الجبهة الشعبية وإعادة تجربة جبهة الانقاذ.

وفي الحقيقة، لا يمكن فصل قرار استقبال الباجي قائد السبسي للجنة الدفاع عن الشهيدين عن قرار إنهاء التوافق مع النهضة ولا يمكن القول إنها صدفة زمنية، فكلاهما قراران متلازمان ومتتاليان جاءا بعد خصام بين شيخي التوافق المزعوم السبسي والغنوشي.

اللقاء تلاه اعلان عن وجود نوايا لطرح قضية الجهاز الأمني السري المتهمة فيه حركة النهضة في اجتماع مجلس الأمن القومي الذي يترأسه السبسي ربما لعمق المعطيات والأدلة التي عرضتها اللجنة عليه وربما انطلاقا في استعمال ورقة انتخابية يقارع بها مع النهضة.

والملفت للانتباه في هذا اللقاء أن لجنة الدفاع كشفت لأول مرة عن وجود مخطط سابق لاغتيال السبسي مع الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند أثناء زيارته الى تونس سنة 2014، وربما لدفع رئيس الجمهورية الى التحري في الموضوع والتقصي في المعطيات المتعلقة بالجهاز الأمني السري.

ويمكن قراءة تحرك الباجي قائد السبسي كونه تحمُلا لمسؤوليته الوطنية بناء على معطيات وأدلة كبرى تسلمها من هيئة الدفاع عن الشهيدين لو لم يتأخر في عرض هذه المسألة على مجلس الأمن القومي ولولا تزامنه مع لحظات الانفصال مع النهضة.

قراءة أخرى وهي الأكثر تطابقا مع الوضع الحالي، وهي أن السبسي دخل مضمار السباق الانتخابي واختار أن يبدأ معركته مع أكبر حزب منافس له (النهضة) بأكبر ملف يثير غضب قياداتها التي ما انفكت تكذّب الاتهامات الموجهة للحركة دون أن تقدم أدلة دامغة تدحض المعطيات التي كشفتها لجنة الدفاع عن الشهيدين وتبعد عنها الاتهامات.

ويبدو أن السبسي لم يغفر للنهضة تعنّتها وتمسّكها بيوسف الشاهد رئيسا الحكومة ورفضها سحب الثقة من حكومته في البرلمان، وعاد مجددا الى خيار التقارب مع الجبهة الشعبية لمقارعة النهضة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، ولكن مؤكد أن حساباته تختلف عن نوايا الجبهة الشعبية، فالأوّل وعد بالكشف عن قتلة شهداء المشهد السياسي ولم يحرك ساكنا لمدة أربعة سنوات وتحالف مع الطرف السياسي المتهم، والثاني يسعى لمحاسبة الأطراف التي اغتالت قيادات سياسية تنتمي له.

ومع كل هذه التقلبات والتطورات تسير الأوضاع السياسية نحو العودة الى نقطة الاستقطاب الثنائي والايديولوجي التي تتنافس على ضوئها الأحزاب السياسية ويحتد العراك السياسي على أرضية خلافات ايديولوجية لا على أرضية معارك برامج واستراتيجيات انقاذ، وينتظر أن تستمد النهضة هي الأخرى ورقاتها الانتخابية التي ستقارع بها السبسي والجبهة الشعبية.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.