بـسـام حـمـدي-
بكسره لجدار الصمت ورفضه لسيناريو اقالة رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد، فضّل رئيس الحكومة يوسف الشاهد وضع مصيره ومستقبله السياسي بيده وارتأى أن يلقي خطبة الوداع أو خطاب التثبيت في قصر الحكومة بالقصبة من خلال الافصاح عن كل دواليب لعبة الشطرنج السياسي بحزبه الأم والرد على اتهامه بالفشل واضعا نصب عينيه ما سيترتب عن كلامه.
ففي كلمة متلفزة، تدرّج الشاهد في عكس الهجوم وفي الدفاع عن نفسه وبدأ خطابه بالرد على السبسي الابن الداعي لاقالته قبل أن يكشف حالة الحرب الأهلية داخل “الدار الكبيرة” واختار لنفسه أسلوبا اتصاليا يُثبت تشبثه بمنصبه في البقاء على رأس الحكومة من خلال تركيزه على السند الدولي الذي توفره له المؤسسات المالية المانحة على غرار صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
وفي بداية خطابه، سرد ابن النداء، يوسف الشاهد، جملة من الاحصائات والمؤشرات، التي اعتبرها ايجابية، على غرار نسبة النمو المحققة للرد على بيان حافظ قائد السبسي الذي أصدره مؤخرا بصفحته بالفايسبوك واستعرض ضمنه مواطن فشل الحكومة في ادارة الشأن الاقتصادي وعدّد المؤشرات الاقتصادية السلبية التي حمّل مسؤوليتها للشاهد وحكومته.
وفي هذا التعقيب الذي أورده في الجزء الأول من كلمته، وجه الشاهد خطابه لحافظ قائد السبسي وحاول إعلامه بكون الحكومة نجحت في تحقيق الاستقرار الأمني وفي الترفيع في الاستثمار وفي نسب التصدير وفي تحسين المؤشرات السياحية وتحقيق نسبة نمو متوسطة خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية ونجاح حكومته في تنظيم أول انتخابات بلدية بعد الثورة.
وفي جزء ثان من الخطاب ، لم يكن متوقعا، لجأ الشاهد الى تقمص دور المتبني لمقولة “الساكت على الحق شيطان أخرس” وتحرّر من منصبه واستغل فرصة ظهوره الاعلامي للكشف عما يدار في “الدار الكبيرة” (حركة نداء تونس) ولم يبخل باطلاق رصاصة الموت على رحم المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي والمحيطين به فاتهمهم بتدمير الحزب وتحويل وجهته وتعطيل أداء الحكومة.
الشاهد حمل مسؤولية تعطل عمل مؤسسات الدولة الى السبسي الابن والمحيطين به وأعطى رسائل للرأي العام عن تأثير بعض الشخصيات في حزب النداء على أداء الحكومة دون أن يذكرها لكنه تعمد في المقابل ذكر اسم حافظ قائد السبسي في مناسبتين أو ثلاث ليتهمه بالدكتاتورية في اتخاذ القرارات داخل النداء.
وردُّ الشاهد على الدعوة لاقالته وصل حد الكشف عن وجود حملات تشن ضد حكومته منذ اطلاق حملة مكافحة الفساد من بعض الأطراف التي لم يسمِّها لكنه ربطها بانتقاده لحافظ قائد السبسي والمحيطين به وأعلن اصراره على مواصلة هذه الحملة.
موقف الشاهد من قادة نداء تونس وليد لحظة دعوة حافظ قائد السبسي الى اقالته، فقبل مدة قصيرة كان رئيس الحكومة العنصر البارز في الحملة الانتخابية التي أجرتها الحركة قبل الانتخابات البلدية واليوم تغير موقفه من داعية لبرامج الحزب الى ناقد له ولخياراته ووصل نقده حد اعتباره حزبا غريبا عنه ومختلفا عن الحزب الذي كان ينتمي اليه.
هذا التغير والاقدام على فضخ كواليس التسيير في حركة نداء تونس، ارتبط زمنيا بموقف الكتلة البرلمانية لنداء تونس التي سبقت الشاهد في اعلانها عن دعم قرار رئيس الجمهورية بالابقاء على الشاهد رئيسا للحكومة الى وقت لاحق من خلال اعلانها دعم تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 التي تنص في أحد بنودها على إقالة رئيس الحكومة.
كتلة نداء تونس وان لم تعلن صراحه معارضتها لدعوة حافظ قائد السبسي لاقالة الشاهد الا أنها شددت على كونها تظل دوما وفية لخيارات الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي و الخط السياسي للحزب دون أن تفصح عن أي موقف يخص الدعوة لاقالة الشاهد معلنة التزامها بإنجاز كل ما من شأنه أن يمثل مخرجا للأزمة السياسية الحالية التي نتجت عن تعليق العمل بوثيقة قرطاج.
وبمجرد التمعن في البلاغ الصادر عن الكتلة البرلمانية اثر اجتماعها الاستعجالي يتضح انحيازها الى خيار الباجي قائد السبسي بتأجيل اجراء التحوير الوزاري من خلال تعليق العمل بوثيقة قرطاج وتطابقا مع رغبة الشاهد في البقاء على رأس الحكومةو مخالفا لموقف السبسي الابن.
التوافق في مواقف الكتلة البرلمانية ورئيس الحكومة يوسف الشاهد على رفض قرار حافظ قائد السبسي تجلى من خلال الدعم والترحيب بقرار رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي حتى أن الشاهد تغزّل بالسبسي ووصف قراره بصوت الحكمة طالبا النجدة منه وحارصا على الاستقواء به.
كل هذه التطورات قد يترتب عنها اطلاق مبادرة سياسية جديدة لترميم حزب النداء وابعاد حافظ قائد السبسي والمحيطين به من على رأس الحزب للدخول في مرحلة جديدة قد تشمل قيادات استقالت سابقا من النداء وتعيدهم الى “الدار الكبيرة” أو تأسيس جسم سياسي جديد.