“الحسّ” في سجن المهدية.. المودعون أمام مزيج من النقد والإضحاك

يسرى الشيخاوي-
"عاودولنا الحس"، "زيدونا شوية حس"، ضحك متناثر من بين صفوف المودعين، هذه بعض من ملامح عرض فيلم "الحس" للمخرج هيفل بن يوسف في السجن المدني بالمهدية ضمن أيام قرطاج السينمائية في السجون.
 
بعيدا عن الاستسهال والتكرار والكليشيهات، يوغل "الحس" في نقد المجتمع التونسي عبر الاعتماد على شخصيات بخلفيات وتوجهات مختلفة تعكس اختلاف تركيبته وتحيل إلى أن التونسيين ليسوا قوالب سكّر. 
 
وللفيلم من عنوانه نصيب فمنذ تقديمه من قبل الفريق استدرّ تفاعل المودعين وتعالت هتافاتهم وهم يعقّبون على مداخلة الممثل مراد بن نافلة وانتشرت قهقاتهم في الأرجاء، في لحظات مارقة عن الزمان والمكان، لحظات وشحتها السينما بحرية لا تبدّدها الأسوار.
 
دون تهريج وابتذال وإغراق في السطحية، نجح المخرج هيفل بن يوسف في تشكيل تفاصيل فيلم برسالة وسيرورة نصية تشدّ إليها الأنظار، فيلم صوّر فيه أن الاختلاف يمكن أن يتلاشى لمجرّد الاتفاق على أمر لا مصلحة فيه أو فيه تعدّ على الآخر واختراق لمجاله.
 
على عكس عنوان الفيلم الذي يحمل في طياته صخبا كثيرا، تظل الشخصية الرئيسية (حسام بوراوي) صامتا طول الفيلم وفي أدائه غير اللفظي وظف نظراته وإيماءاته وحركاته لصنع الوضعيات الكوميدية. 
 
هو "الحس" محرّك كل الفيلم يغوي الشخصية الرئيسية باكتشاف خفاياه وتلتقي عند هذه الرغبة ثماني شخصيات مختلفة، لا الهيئات نفسها ولا الانتماءات ذاتها لكنهم يجتمعون عند كونهم تونسيين يقودهم الفضول.
 
حتى الصمت في الفيلم فيه الكثير من "الحس" بما يحمله من معنى الصخب ومن معنى الإحساس، وخير دليل على ذلك تفاعل المودعين مع تفاصيله وانغماسهم مع بساطة الأداء والأسلب الاخراجي وعمق الطرح.
 
هي حكاية وقصة محبوكة التفاصيل، سردتها الكاميرا بطريقة تجعلك تتمنى ألا ينتهي الفيلم وأنت تلاحق الكوميديا في التناقضات التي تجمّعت في ديكور واحد وعرّت آفات كثيرة من بينها النفاق والفضول المبالغ فيه الذي يتحوّل دون سابق إنذار إلى تجسس.
 
زوايا التصوير في الفيلم تقحمك في عوالم الشخصيات المتناقضة وتلغي حاجز الشاشة حتى يبدو الأمر شبيها بمشهد مسرحي لا يخلو من جمالية تقنية لكنه يعري قبح المجتمع ويدعو المشاهد إلى التفكر في كل الوهم والزيف الذي صار يغرق تفاصيل اليومي. 
 
الحكاية التي تقوم على فلسفة التبسيط ما كانت لتكون لولا أداء الممثلين  محمد علي دمق وعلي الذوادي وحسام بصراوي وعبير البناني ومراد بن نافلة ومراد غرسلي ومحمد الداهش وشاذلي وغلاتي ومصطفى كوذاعي، ممثلون أعطى كل منهم من روحه للدور وتقمصه وخلق وضعيات كوميدية تفضي ضرورة إلى الإضحاك.
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.