“الجرأة”.. علامة منتوج اتصالي جديد صنعه الشاهد تحت قبة البرلمان؟!

 أمل الصامت –

لم يكن وقوف رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم الاثنين 12 نوفمبر 2018، أمام مجلس نواب الشعب الأوّل من نوعه منذ توليه المنصب في أوت 2016، ولكن هذه المرة تختلف حتما عن سابقاتها شكلا ومضمونا، وفي ذلك حديث يطول.

الشاهد الذي أسال خطابه الأول أمام البرلمان يوم 26 أوت 2016، من الحبر الكثير وفتح الأبواب على مصراعيها امام البلاتوهات التلفزية والإذاعية، وكانت فرصة المتابعين والملاحظين في المجال السياسي للتحليل إما بالنقد أو الاستحسان، هو نفسه الذي وصفت كلماته بالممنهجة ووقفته بالكاريزماتية يوم تحدث من نفس المنبر عن أسباب إجرائه التحوير الأول على تركيبة حكومته تطبيقا لمخرجات وثيقة قرطاج1.

يوسف الذي شبهه البعض بـ"يوزرسيف" تونس الحكيم عندما تحدّث عن برنامج الاصلاحات الكبرى التي تعتزم الحكومة الانخراط فيها ايام بعد التحوير الوزاري الأول في إطار الجلسة التي خصصت للمصادقة على قانون المالية لسنة 2018 وتحديدا في نوفمبر 2017، بقي هو نفسه "يوزرسيف" الذي أذهلت خطابته وإتقانه لقواعد الاتصال الكثيرين يوم برّر تحت قبة البرلمان الاجراءات الصارمة التي تقوم عليها اصلاحات حكومته الكبرى في إطار جلسة عامة خصصت خلال شهر مارس من السنة الحالية للحوار مع الحكومة حول الوضع العام في البلاد.

إلى حد الآن يبدو المشهد طبيعيا، والحال أن يوسف الشاهد الذي جاء بعد سقوط حكومة سلفه الحبيب الصيد بسحب الثقة منها من قبل مجلس نواب الشعب، كان محاطا بحزام سياسي واسع، وبتزكية من الحزب الأول الفائز في الانتخابات التشريعية آن ذاك وبدعم أكبر من رئيسه الشرفي ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، إضافة إلى انخراط عدد من الأحزاب السياسية الكبرى والمنظمات الاجتماعية في ما يسمى باتفاق قرطاج1 والذي انبثقت عنه ما تسمى بـ"حكومة الوحدة الوطنية".

هذه الحكومة التي قوامها الوحدة الوطنية والتوافق أصبحت حكومة الشقاق واللاتوافق في أقل من سنة، وصار يوسف الشاهد من بعدها بلا سند أو لنقل بسند أقل، اظطرّه إلى الدخول في رحلة البحث عن دعم يضمن بقاءه أمام معارضي اليوم الذين هم أنفسهم أصدقاء الأمس، وهاهو الخطاب يتغيّر والآراء فيه تتبدّل لأسباب يعلمها القاصي والداني.

دعوة نداء تونس يوسف الشاهد للرحيل عن الحكومة كانت بتعلة فشله في إدارة المرحلة وتحقيق الأهداف التي أوتي به من أجلها حتى يطلّ المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي بخطاب إعلان ذلك الفشل للرأي العام قبل أن يردّ عليه الشاهد بخطاب أكثر حدّة ليخرج الخلاف الحقيقي صلب النداء حول رحيل رئيس الحكومة من عدمه إلى العلن.

استقالات بالجملة شهدها النداء إثر تجميد عضوية الشاهد المغضوب عليه من السبسي الابن والأب على حد السواء، وهو ما لا يستطيع أحد إنكاره، وانتصار لرئيس الحكومة بطرق مختلفة، وعلى رأسها تكوين جبهة برلمانية تسانده وتشكّل ضامنا للأغلبية المطلقة التي قد يحتاجها في حال وقف أمام المجلس من أجل الموافقة على تحوير وزاري قد يجريه أو طلب تجديد الثقة في الحكومة برمتها في صورة اظطره الأمر إلى ذلك نتيجة ضغوطات أو خيارات معينة.

وهو ما حصل فعلا يوم الاثنين 12 نوفمبر 2018، إذ ذهب الشاهد إلى البرلمان وكله ثقة في نيل الأعضاء المقترحين ضمن التحوير الوزاري الذي رافق الاعلان عنه جدل كبير من قبل مختلف الأطراف السياسية وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي اعتبر التمشي المعتمد في إجرائه والاعلان عنه خاطئا ومخالفا للتقاليد والنواميس المتعارف عليها، على مستوى التعامل مع رئيس الدولة.

الأكيد أن رئيس الحكومة ضمن الأغلبية المطلقة والمريحة حتى قبل التوجه إلى الجلسة العامة المخصصة لمنح الثقة لأعضاء الحكومة المقترحين ضمن التحوير، وهو ما تثبته الجرأة التي طبعت خطابه الذي وإن حمل نفس الخطوط العريضة لخطاباته السابقة حول السياسة المعتمدة في عمله الحكومي والتحديات التي تواجهه وفي مقدمتها محاربة الفساد، إلا أنه كان "سياسيا" بامتياز.

هذه المرة خطاب الشاهد كان مختلفا حتما، خاصة وأنه لم يقم كما في التحوير الوزاري الأول بتقديم تقييم لعمل الوزراء الذين تم استبعادهم، وحصر أسباب التعديل فيما سببته الصراعات السياسية من تشويش على عمل الحكومة وما عانته من "قصف عشوائي" و"نيران صديقة" تنطبق عليها مقولة "قلوبهم معك وسيوفهم عليك".

جرأة وسمت خطاب رئيس الحكومة الافتتاحي للجلسة العامة تحت قبة البرلمان ولم تغب عنه حتى في ردّه على بعض الانتقادات والأسئلة الموجهة من الداعمين والمعارضين على حدّ سواء، قد يعتبرها البعض إيجابية وقد يصفها آخرون بالبعيدة عن مشاغل التونسيين، ولكنها تبقى العلامة الوحيدة التي يمكنها أن تطبع ما صنعه يوسف الشاهد يوم 12 نوفمبر 2018، خاصة وأنه لا يعرف متى ينقلب المشهد كما حدث من قبل وهل سيكون ما قاله ضدّه أم معه في حال انقلبت الموازين من جديد؟…

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.