سأظل وشما أذكّر بما مضى.. نحن البدايات… بهذه الكلمات المقتبسة دوّى صوت المناضلة النسوية بشيرة بن مراد في قاعة عمار الخليفي بمدينة الثقافة خلال العرض الأول للفيلم الوثائقي-الروائي “التونسية” للمخرج منصف بربوش.
كان فيلم "التونسية" عبارة عن نافذة نعود بها إلى التاريخ لنلقي نظرة ونعيش قصة رائدة الحركة النسوية في تونس بشيرة بن مراد في مختلف مراحل حياتها , إنطلاقا من وسطها العائلي ووصولا إلى دورها في الدفاع عن الحقوق والحريات للمرأة وكفاحها ضد المستعمر الفرنسي.
يتناول الفيلم فترات من حياة المناضلة بن مراد ودورها في الحركة النسوية من خلال تأسيس "الاتحاد الإسلامي النسائي التونسي" وجهودها في المطالبة بتعليم المرأة ووقوفها ضد المستعمر إلى حين حصول بلادنا على الاستقلال.
كما استعرض الفيلم علاقة المناضلة الراحلة بالزعيم الحبيب بورقيبة من خلال عرض لشهادات من أفراد من عائلتها وشخصيات اخرى عاصرتها.
*لا وجود لأرشيف المناضلة بشيرة بن مراد في تونس !
الفيلم الوثائقي- الروائي الطويل الذي بلغ 70 دقيقة يوثق مسيرة المناضلة الراحلة التي لم يجد لها المخرج ارشيفا يسرد نظالتها للمجتمع وللدولة.
وكشف المخرج المنصف بربوش في حديثه لحقائق اون لاين، أنّ الفيلم الوثائقي "التونسية" استغرق سنتين من الإنجاز وثلاثين سنة من البحث، مبينا أنه لم يجد أرشيف الراحلة بشيرة بن مراد، مما تطلب به البحث خارج تونس اين وجد أرشيفا يخصها !!
*المراوحة بين محاكاة الأحداث وتجسيدها
ترعرعت بشيرة بن مراد في وسط عائلي ديني علمي، وهي ابنة أحد شيوخ الاسلام الحنفي المدرّس بجامع الزيتونة الشيخ محمد الصالح بن مراد، اين تلقّت تعليما دينيّا وأدبيّا تقليديا عن بعض الشيوخ بجامع الزّيتونة،وتزوّجت بالشّيخ صالح الزّهار ( 1952) وكان يشغل خطة عدل مبرّز، وقد ساندها في رسالتها وفي مسيرتها النّضالية، وساهمت بشيـــرة بن مراد بالكتابـــة الصحفية في عدد من الدوريات من بينها مجلة المســـرح (1937) و شمــس الإسلام ( 1938) اين تطرقت في كتاباتها الى مختلف المواضيـــع التي تهــــم المرأة.
صوّر الفيلم ظروف تأسيس بن مراد لأوّل منظمة نسائية تونسية سنة 1936، "الاتّحاد النّسائي الاسلامي التّونسي"، اين دعت إلى تمتيع المرأة بحقوقها كاملة، وفي مقدمتها حقّ التعليم، والمساواة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات.
وتمحورت أنشطة الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي على الأعمال الخيرية أساسا، وبرز بشكل خاص من خلال مساندته ومساعدته التي اتخذت شكل التبرعات، للطلبة الذين يزاولون تعليمهم بالخارج ،كما سعى الى نشر العلم والتعليم وانخرط في العمل الوطني من أجل الاستقلال ومناهضة المستعمر.
الفيلم عرض بالأبيض والأسود، وبالالوان، وراوح بين الجانب الروائي والتوثيقي في العمل الذي استعرض مسيرة بشيرة بن مراد منذ ان كانت طفلة يافعة إلى مرحلة شبابها ، الى جانب استعراض شهادات حية ومتنوعة من قبل مثقفين وسياسيين كبار وعائلة الراحلة ، كشفت عن تفاصيل دقيقة تخص حياتها.
وانتهى الفيلم الى محاكاة الحاضر، حيث تدرج المنصف بربوش في فيلمه "التونسية "من حقبة الاستعمار الى الاستقلال إلى تاريخ 7 نوفمبر 1989 ثم 14 جانفي 2011 وما تلتها من أحداث..
*الطيب الزهار : فخورون بردّ الاعتبار ولو بعد 50 سنة
عبّر الطيب الزهار أبرز اقرباء بشيرة بن مراد، عن فخره بردّ الاعتبار للمناضلة التونسية ولو بعد 50 سنة، واعتبر أنّ تونس كانت ومازالت قائمة على المرأة التونسية، وخاصة المناضلات منهن اللاتي لعبن دورا محوريا في الدولة الحديثة.
وقال الزهار في تصريح لوسائل الإعلام، إنّ بشيرة بن مراد كانت أول من دعا إلى المساواة بين المراة والرجل وطالبت بأن تلعب المرأة التونسية دورها السياسي وحقها الانتخابي .
في اواخر حياة بشيرة بن مراد، بيّن المخرج منصف بربوش من خلال الممثلة التونسية حليمة داود التي لعبت دور بشيرة بن مراد، ان الدولة التونسية لم تنصف المناضلة بن مراد وعاشت في ضائقة مالية.
وعرّج الى الظروف التي قضت فيها المناضلة بن مراد بقية حياتها، أين زارها في منزل متواضع جدا لا يليق بمسريتها، وذلك قبل أن يوافيها الأجل في 4 ماي 1993.
*نافذة عن مخرج فيلم "التونسية" منصف بربوش
درس منصف بربوش في القاهرة وهو خريج معهدها العالي للسينما سنة 1979 وأخرج "حصار بيروت" و"أليس الصبح بقريب" عن تاريخ الحركة الإسلامية بتونس، كأول فيلم تنتجه الحركة الإسلامية سنة 1985.
أخرج عديد البرامج والأفلام من إنتاج التلفزة الكندية، وأخرج عديد الأفلام القصيرة والوثائقية أهمها فيلم "الصابرون" و"فيلم 9 أفريل" وفيلم الثورة مستمرة" .