الانتخابات البلدية: عين على الحالمين.. وأخرى على العازفين

يسرى الشيخاوي-

تمام الساعة الخامسة مساء ولّيت وجهي شطر مركز الاقتراع المدرسة الابتدائية الجمهورية 1 في دائرة المنيهلة للإدلاء بصوتي في أول استحقاق بلدي بعد الثورة.

على امتداد الطريق المؤدي للمدرستين اللتين لا تفصل بينهما إلا بعض الأمتار، اعترضتني “جحافل” من المواطنين، بعضها فرادى وبعضها جماعات.

يشدّ انتباهك هذا الجمع الغفير وتتحرّك فيك مشاعر الفخر بمواطنين تشبثوا بحقهم الانتخابي ولم يعرضوا عن المشاركة في حدث هو الأول من نوعه، ولكنّك لا تلبث أن تستجير بالواقع من رجس الأحلام حينما ترقب جمعا من النسوة يقفن على بعد أمتار من باب المدرسة لكنهن لا يدخلن.

أرقبهنّ لبعض اللحظات لعلهن يلجن مركز الاقتراع ولكنهن لا يفعلن، حينها قرّرت أن أخترق ” خلوتهن” وأحاول أن أعرف سبب إحجامهن عن الدخول إلى المدرسة.

ألقيتُ التحية وقدّمتُ نفسي وسألتهن عما إذا كن ينوين انتخاب قائمات حزبية أم مستقلة فأجابتني إحداهن وتدعى “منية” بأنّها لم تسجّل في الانتخابات البلدية ولا تعنيها الانتخابات في شيء ولا تثق بالسياسيين أصلا، وكلّ ما في الأمر أنها في طريقها إلى الجزار مرّت صدفة فوجدت بعض معارفها فشاركتهم الحديث عن الأطفال والامتحانات.

أمّا رشيدة فتقول إنها لا تزال في حيرة من أمرها ولا تعرف الجهة التي ستمنحها صوتها لذلك فهي ترصد آراء جاراتها وصديقاتها اللاتي سبقنها في الاقتراع.

وغير بعيد عن النسوة اللاتي اتخذن من محيط مراكز الاقتراع فضاء للفضفضة والحديث عن مشاكل العائلة، يدخّن كهل يقارب الخمسين من عمره ويُسند ظهره على أحد حيطان المدرسة، اقتربتُ منهم وسألته عما إذا كان قد أدلى بصوته فأخبرني صالح وهو عامل يومي أنّه لم يشارك في اي استحقاق انتخابي بعد الثورة وأنّ وعود السياسيين لن تغير واقعه الصعب ولن تضمن له دخلا قارا يجنّبه الركض وراء حضائر البناء.

يواصل الرجل تدخينه، وألمح امرأة بلغ بها العمر عتيا يعلو الوشم وجهها تستند على عكازها وتستعين بطفل صغير يبدو انه حفيدها، دنوتُ منها فاستقرت عيني على اصبعها المخضّب بالحبر الانتخابي، أسقطتُ عني حالة الإحباط التي لبستني بسبب العزوف عن الاقتراع، وسألت الخالة “خيرة” التي رسم الدهر تجاعيد على وجهها ويديها ورسمت على اصبعها حقّها في الانتخاب، عن السبب الذي جعلها تقبل على الانتخاب فكانت إجابتها بسيطة حالمة: ” نحب الكياسات تتصلح بش ماعادش يزلق بي العكاز كيف نمشي نجبد شهريتي من البوسطة”.

أمنيتها بسيطة في ظاهرها ولكن في باطنها حمالة معانيَ ورسائل خاصة إلى الشباب وفيها دعوة صريحة إلى الحلم بغد أفضل غد تُحقق فيه الأماني على بساطتها.

وعلى غرار الخالة خيرة لم يفوّت ربيع وهو شاب من متساكني حي الجمهورية بدائرة المنيهلة فرصته في أن يقترع ويختار ممثليه في المجالس البلدية.

يقول ربيع إنّه يدأب على ممارسة حقه الانتخابي بعد الثورة وأنه لا يريد لصوته أن يذهب هباء منثورا، معربا عن أمله في أن يمكّن الحكم المحلي من إدماج الشباب العاطلين عن العمل في مواطن شغل جديدة.

ربيع وغيره من متساكني حي الجمهورية توجهوا إلى مركزي الاقتراع بالحي وأدلوا بأصواتهم والامل يحدوهم في أن تتحقق أمانيهم التي تختلف باختلاف أعمارهم وتنشئتهم وتكوينهم، وآخرون خيروا أن يكونوا كتلة صامتة وقاطعوا الانتخابات البلدية لأنها في نظرهم لن تغير الواقع.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.