الاغتصاب الزوجي: جرائم مسكوت عنها تُرتكب في غرف النوم

 خديجة السويسي-

 

“تشاجرنا منذ أسبوع، لم يدر بيننا أي حديث من يومها حتى إننا نتعامل كالغرباء في بيت واحد، و ذات ليلة عاد للمنزل منتشيا بمفعول “الزطلة” (القنب الهندي) وكنت في قاعة الجلوس أتابع أحد المسلسلات التلفزية، ما إن رآني حتى هم بتقبيلي. دفعته قائلة ابتعد عني، توقف للحظة وصرخ في وجهي: لست أطلب رضاك فهذا حقي، وبعد ذلك لم أجدني إلا في غرفة الاستحمام أغسل ما علق بي من فضلات ذلك الوحش الذي يسمى زوجي، فالماء يغسل جسدي والدموع تغسل وجهي، كل هذا وكما جرت العادة على أنغام شخيره المتواصل بعد أن أتم غزوته.”
 
تحدثت إلينا والدموع تنهمر من عينيها، رجاء امرأة في الثلاثين من عمرها لم يمض على زواجها أربع سنوات حتى بدأت حياتها تتأزم مع زوجها، دائما ما يتشاجران بسبب ودون سبب ويعقب كل شجار فترة من الجفاء حيث تتوقف جميع عمليات التواصل بينهما ، إلا واحدة فقط تلك المتمثلة في العلاقة الجنسية و التي عادة ما تكون دون رضا منها .
رجاء خريجة جامعة ورغم مستواها العلمي الجيد، إلا أنها كأغلب السيدات اللاتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي لم تكن تدرك أن ما تتعرض إليه اغتصاب لاسيما وأنها تعيش في محيط اجتماعي ينتهج سياسة انتقائية في تناوله لهذه الظاهرة باعتبار أن التطرق الى الاغتصاب دائما ما يرتبط بشخص غريب أو بأي شخص ماعدا الزوج على اعتبار أن النكاح يندرج ضمن حقوق الزوج على زوجته.
ويُعرّف الاغتصاب الزوجي بكونه إكراه الزوج لزوجته على ممارسة العلاقة الجنسية و يتم ذلك باستعمال العنف أو التهديد أو عن طريق طلب وضعيات مهينة.
ويتنزل الاغتصاب الزوجي ضمن خانة العنف الجنسي المسلط على المرأة، و لكنه يبقى من المواضيع المسكوت عنها والتي نادرا ما يتم طرحها في الفضاءات العامة من قبل الناشطات النسويات، وهو الحال في اغلب البلدان العربية.
وعن وجود ظاهرة الاغتصاب الزوجي في تونس، تقول الباحثة في علم الاجتماع والعاملة كأخصائية اجتماعية بفضاء لإيواء وتأطير النساء ضحايا العنف الزوجي، هيفاء الزغواني، إن المشكل الأساسي في ظاهرة الاغتصاب الزوجي يتمثل في أن اغلب النساء المتعرضات للعنف الزوجي لا يعرفن أنه نوع من أنواع العنف، وإنما هو حق الزوج على زوجته وان كان بالإكراه لأن مرادف العنف في أذهانهن هو الضرب واللكم، حسب تعبيرها.
وترجح الزغواني أن تكون الصورة النمطية للمرأة كأم مرضعة و حاضنة للأطفال أو مصدر إغراء جنسي للرجل أهم أسباب الاغتصاب الزوجي خاصة وأن المجتمع الذكوري لا يعترف إلا بالاحتياجات الجنسية للرجل وان تطلب ذلك استعمال العنف والقوة، وفق رأيها.
وفي تونس لا تواجه ظاهرة الاغتصاب الزوجي عقوبات تضبطها تشريعات وقوانين نظرا لعدم إمكانية إثباته فضلا عن الإحراج الأخلاقي الذي قد يسببه للمغتصبات في غرف نومهن.
وفي هذا الإطار، تقول الناشطة المجتمعية عبير القدسي أن الظاهرة ليست خاصة بتونس فقط مبرزة ان الاغتصاب الزوجي مشرع له في اليمن بالدين و العادات و التقاليد، فمن أهم الأشياء التي يتم تعليمها في المدرسة و في الأسرة أن المرأة التي ترفض ممارسة الجنس مع زوجها تلعنها الملائكة..وأن المرأة خلقت لإشباع رغباته الجنسية ولا يتحدث عن هذا الموضوع الا المنظمات وبحذر خوفا من العداء المجتمعي و الديني..
وتضيف ان ” النساء يتحدثن عن ذلك في حالة واحدة: عند اتخاذ قرار الانفصال وتتم التغطية عن الموضوع و حثهن على عدم ذكر الموضوع، أما التي لا تزال متزوجة فنادرا ما تتحدث لأن المجتمع يعتبرها ناشز و خارجة عن طور الأدب و طور المرأة المثالية لأن المطلوب من المرأة المثالية مهما تعرضت للعنف ألا تفشي أسرار بيتها بدعوى كون المرأة المثالية هي المطيعة الملبية لكل رغبات زوجها” .
ومرد السكوت عن الاغتصاب الزوجي يعود أساسا إلى الثقافة المحافظة للمجتمعات العربية والتي تستمد سلطتها من الدين فالحديث عن العلاقة الجنسية بين المرأة و الرجل دائما ما يستشهد بحديث طلق ابن علي القائل “إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور (الفُرن)”.
وبالحديث عن امتناع الزوجة ورفضها يتم الاستناد أيضا إلى حديث أبو هريرة “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح” وهما حديثان دائما ما يتم استغلالهما للتشريع للاغتصاب الزوجي ومحو صفة الاغتصاب عنه وتحويل المرأة إلى مذنبة اجتماعيا نظرا لكونها لم تؤد واجبها تجاه زوجها وفقا للمجتمع. وربما هذا البعد الديني للمسالة كان سبب في تغييبها عن سياسات الدولة لمناهضة العنف ضد المرأة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.