الاعلام في تونس: التشريع منصوص عليه والتطبيق مُغيّب..

هبة حميدي-

بعد اندلاع الثورة في 17 ديسمبر 2010 وسقوط  راس النظام في 14 جانفي 2011، تحرر الاعلام التونسي وابتعد عن المحتوى الواحد والموجّه الذي كان في السابق مقيَدا يُماهي خطّ السلطة الحاكمة.

وسنت السلطات بعد ذلك قوانين من شأنها ان تفتح باب التعددية وتنظم القطاع وتعزز حرية الصحافة والاعلام، وصدر مرسومان جديدان ينظمان مهنة الصحافة والاعلام ويحددان مسؤولية الصحفي وحدوده القانونية.

ترسانة قانونية غير مفعلة

في محاولة لتنظيم القطاع وتعزيز حرية الصحافة والتعبيـر وإيجاد التشريعات المناسبة التي تحمي الصحفيين وتكافح ثقافة الإفلات من العقاب، صدر المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والمرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وانشاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

ويتضمن المرسوم 115 حريةَ تداول ونشر وتلقّي الأخبار والآراء مهما كان نوعها، وينص على حقوق الصحفيين  في الوصول إلى المعلومة وسرّية المصادر، اضافة الى سبل حمايتهم من التهديدات مهما كان نوعها.
 
وحدد المرسوم العقوبات التي تسلط على الصحفيين في حال تم تسجيل اخلال في العمل الصحفي ومن ابرز ما تم التخلي عنه هو العقوبة السالبة للحرية واستبدِلَت بغرامات مالية وخطايا.
 
في حين يشمل المرسوم  116، الاعلام السمعي البصري فقط، ونصّ على مكونات الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري (هيئة تعديلية) وصلاحياتها ونظم شروط اطلاق الاذاعات والقنوات التلفزية.
 
ومنذ سنة 2011 سعت تونس الى دسترة حق التعبير والرأي  في دستور 2014، ونص الفصل 31 منه على أن: حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة، لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات
 
كما نصّ الفصل 32 على انّ:الدولة تضمن الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة. تسعى الدولة إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصالات…
 
وفي وقت لاحق تم دسترة ضوابط عمل الهايكا، وبذلك يكون للقطاع السمعي البصري هيئة دستورية تراقب وتعدل بعيدا عن السلطة، وجاء في الفصل 125 (من الباب السادس: الهيئات الدستورية المستقلة): تعمل الهيئات الدستورية المستقلة على دعم الديمقراطية، وعلى كافة مؤسسات الدولة تيسير عملها.
 
وتتمتع هذه الهيئات ( من بينها الهايكا) بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية، وتُنتخب من قبل مجلس نواب الشعب بأغلبية معززة، وترفع إليه تقريرا سنويا يناقش بالنسبة إلى كل هيئة في جلسة عامة مخصصة للغرض، ويضبط القانون تركيبة هذه الهيئات والتمثيل فيها وطرق انتخابها وتنظيمها وسبل مساءلتها.
 
كما اقر الفصل 127 (من القسم الثاني: هيئة الإعلام) على انه: تتولى هيئة الاتصال السمعي البصري تعديل قطاع الاتصال السمعي البصري، وتطويره، وتسهر على ضمان حرية التعبير والإعلام، وعلى ضمان إعلام تعددي نزيه، تتمتع الهيئة بسلطة ترتيبية في مجال اختصاصها وتستشار وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بهذا المجال.
وتتكون الهيئة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة، مدتها ست سنوات، ويجدّد ثلث أعضائها كل سنتين.
 
قوانين ساهمت في تحرير الاعلام من القيود التي عايشها لعقود من الزمن تدعمت اكثر فأكثر بصدور قانون أساسي عدد 22 لسنة 2016 مؤرخ في 24 مارس 2016  الذي يتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة، لكن رغم ترسانة القوانين لا يزال الاعلام التونسي يشكو من الهنات وابرزها عدم اعتماد القوانين المنصوص عليها سواء في محاكمة الصحفيين او في الولوج الى المعلومة، وفي اكثر من مناسبة تدعو نقابة الصحفيين والمنظمات الداعمة للإعلام الى اعتماد المرسوم 155 و 166 لمحكامة الصحفيين، بيد أنّ هذه الدعوات لم تجد لها صدى في اروقة المحاكم.
وفي سياق عدم اعتمادا القوانين المنظمة لللإعلام، أصدر قاضي التحقيق التّحقيق العسكريّ الثّالث بالمحكمة الإبتدائيّة العسكريّة الدّائمة بتونس، بطاقة إيداع بالسجن في حقّ الصّحفيّ صالح عطيّة.
  
ووجهت للصحفي صالح عطية تهم "الاعتداء المقصود منه حمل السكان على مهاجمة بعضهم بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي ونسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك والمسّ من كرامة الجيش الوطني وسمعته والقيام بما من شأنه أن يُضعف في الجيش روح النّظام العسكريّ والطّاعة للرّؤساء والاساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات طبق أحكام الفصول 72 و 128 من المجلّة الجزائيّة و 91 من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة و 86 من مجلّة الإتّصالات".
 
من جانبها أكدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الجمهورية، في بيان صادر اليوم الاثنين، موقفها المبدئي الرافض للمحاكمات العسكرية في حق المدنيين سواء كانوا صحفيين أو غيرهم من المواطنين، مجددة تمسكها بمحاكمة القضايا المتعلقة بالنشر والتصريحات أمام القضاء المدني ووفق مقتضيات المرسوم 115 المنظم للصحافة والطباعة والنشر.
 
 
*مشروع  دعم دور الاعلام في الدفاع عن الحريات والمساواة في تونس الذي اطلقته وزارة الخارجية الامريكية
 
 
 
 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.