رغم تعدد المحطات التلفزية في تونس ما بعد الثورة فإن المشهد الإعلامي تسيطر عليه تقريبا تلفزة خاصة وحيدة تحتكر نصيب الأسد من الإعلانات وذلك لأهمية نسب المشاهدة التي تحققها برامجها.
برامج في أغلبها تعتمد على الاثارة و جمالية الصورة رغم المستوى المتواضع لمقدميها على جميع الأصعدة. مقدمون ما انفك كبار الأساتذة في علوم الصحافة والاخبار يصفون أغلبهم بالافتقار لأبسط ابجديات المهنة الا وهي المسؤولية و الموضوعية.
لذا تجدهم لا يبحثون الا عن مواضيع مثيرة لإحداث الضجة و شد المشاهد وهو امر لا اظنه صعبا اذا تحرر الإعلامي من جل القيود المهنية والأخلاقية وجعل نسبة المشاهدة هدفه الوحيد و غايته الأساسية لضمان بقائه و استمرارية المؤسسة التي تشغله. وبالتالي ورغم حساسية النشاط الإعلامي وقدرته على صناعة الراي العام و بلورة فكره فان العلاقة بين اغلبية المقدمين والقناة التي تشغلهم لم تتجاوز علاقة "الصانع بعرفه".
المشكلة ليست هنا، لأننا في ظل مناخ ديمقراطي يعيش مراهقة إعلامية بوجوه إعلامية جلها مرتزقة قادمة من العهد البنفسجي في اغلبها وامام غياب هيئة قوية لتنظيم المشهد الإعلامي يمكننا ان ننتظر تدنيا للمشهد الإعلامي أكثر فأكثر. فمن المسؤول ؟!
-المشاهد و الاعلامي: كلنا نعلم ان القنوات الخاصة تعيش من الاشهار كما ان المستشهر لا يمكنه ان يتعاقد مع القناة الا اذا كانت تحقق نسب مشاهدة هامة ولهذا يكون هم القناة الوحيد هو شد المشاهد بأقل التكاليف فيلتجئون لبرامج مثيرة بمواضيعها، بطريقة تقديمها و بتجاوزها للضوابط الأخلاقية غالبا التي تثير صدمة لدى المتلقي وتشده حتى و إن انهالت عليها بالشتائم فلا يمكننا لومه أو وصفه بالسكيزوفرينيا كما لا يصح اجابته بـ"بيناتنا فلسة" او "هنالك اختراع اسمه التيليكومند" كما يفعل اغلبية مقدمي هذه البرامج لان ذلك لا يعكس سوى جهل الإعلامي الذي لم يدرك بعد انه يبيع فكرا و يصنع راي أناس على اختلاف مستوياتهم ودرجة وعيهم لاسيما انهم لم يقتنوا تذكرة لمشاهدته بل هو من فتح ابوابهم و دخلها دون استئذان.
-الاعلام البديل والأحزاب: من جانب اخر ما من شك ان للأحزاب السياسية علاقة وطيدة بالمؤسسات الإعلامية ساء من خلال الدعم المادي المباشر او غير المباشر لأهمية الاعلام و دوره في بلورة الراي العام و لعل المشهد السياسي الحالي هو نتاج مشهد اعلامي قاد الحملات الانتخابية فدمر أحزابا و اشخاصا وصور آخرين في صورة المهدي المنتظر.
ورغم الوضوح الجلي لعدم موضوعيته وعدم حياده فانه اجبر جزءا منهم في الانخراط في مؤسساتهم، ولعل التطور في علاقة حزب النهضة بقناة الحوار التونسي خير دليل على ما قلته إذ عوض البحث عن إقامة اعلام بديل بمقومات ناجحة اصبحنا نشاهد قياديي الحركة يناقشون مواضيع تافهة جدا وشاهدنا صورا لا يمكن ان تعكس سوى التزلف لاشباه اعلاميين، وهو اقرار ضمني بأنهم عجزوا عن إيجاد إعلام بديل راق يدافع عن اهداف الثورة يشد المشاهد و يتبنى قضايا هذا الشعب ولا يجعله طعما لدى صناع الرداءة.
رغم ان هنالك محطات تلفزية تونسية تسعى لتقديم مادة محترمة فإنها لم تنجح في شد المشاهد و بقيت برامجها كلاسيكية مملة أحيانا تفتقر لجمالية الصورة وإخراج معاصر وأفكار حديثة تمكنها من شد المشاهد دون السقوط في الرداءة و الابتدال، لذا بقي المشهد الإعلامي رهين صورتين صورة كلاسيكية-مملة لا تستهوي المشاهد و أخرى حديثة-مبتذلة تشد المشاهد.