الأمعاء الصامدة والكراسي الخاوية

هم وبكل فخر خيرة شباب تونس وأجملهم على الإطلاق، وإن بدا لكم في ملامحهم قسوة وفي عيونهم وعيد وفي قبضاتهم إصرار كي ينغصوا عليكم فرحة اقتسام ما غنمتم من سلطة ومال ومناصب، فلا تهنؤوا ولا تنتظروا أن ييأسوا أو ينهاروا أو يسلموا ويأتوكم صاغرين متوسلين صدقة أو شفقة، فقد صهرتهم سنوات الصمود وصيرتهم خوازيق جاهزة لكل الحكومات، وباتوا علامات مضيئة تنير عتمة البلاد وترسم طريق خلاص هذا الشعب كلّما حاول ليل حكومات التفقير والتجويع المتعاقبة سدّ الأفق أمامه وإعادته إلى مربعات الاستسلام والتسليم الاقتناع بالأمر الواقع.

هم شباب سرقت سنوات النضال والتهميش والمطاردة البوليسية والاعتقالات والسجون والمحاصرة والبطالة المفروضة أعمارهم، نعم، ولكنها لم تفقدهم وهج النضال والقدرة على مصارعة المستحيل، فكلما لاحت نذر الاستبداد قدحت عزائمهم وميض أمل في آخر النفق.

ولكن  رغم ما عكسه مشهد اليوم أمام المسرح البلدي من مفارقات محزنة لشباب كانوا أوّل من فكّوا السلاسل عن شعب مكبّل بالاستبداد والفساد ليجدوا أنفسهم مثقلين بالسلاسل على موائد ثورة تنهش لحم أبنائها وتدوس على عظامهم وتكسر جماجمهم وتحرق أحلامهم بلا رحمة، رغم كل ذلك بدا لي في خلفيّة الصورة مشهد لا يفهم كنهه إلا من عتقتهم المعارك لا الطارئون على النضال طمعا أو خوفا أو ادعاء أو دفاعا عمّا غنموا، مشهد أعاد على مسامعنا صدى حكمة تليدة بأنّ إرادة المناضلين لا تقهر وأنّ ليل الاستبداد مهما ائتلف وحصّن قلاعه بالمصالحات المنافقة والوحدات الزائفة أوهن من شعاع نور يبرق من عيني هدى أو نجوى أو ابتسام أو شهيرة أو مروى ، وسلاسل الاستبداد لا تساوي صرخة احتجاج على أفواه حاتم أو لطفي أو سمير أو صابر أو علي أو حافظ أو أنور أو فوزي أو أنيس وغيرهم كثيرون ومتوثبون.. لأنهم بكل بساطة مناضلون أحرار أحبّوا الوطن بلا مقابل ومن دون أن يقبضوا رشاوى الشعب التجمعية ولا تعويضات الروابط النهضاوية ولا إكراميات اللجان التكنوقراطية ولم يبيعوا مواقفهم صمتا ولا نفاقا ولا موافقة للحكومات المتعاقبة ليشتروا خلاصا ذاتيا، وأمنوا بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وبالشغل الكريم حقا لا ينازع ولا يقبل التسويف والتأجيل لجميع التونسيين.

إن صرخة المضربين اليوم في قلب شارع بورقيبة في وجه لامبالاة حكومية تقاسم الغنائم أقوى وأمضى من كل قنوات العهر والتعليمات التي استكانت وصمتت واختارت دس شاشتها في التراب ومن كل أقلام الارتزاق التي جفّ حبرها عن الكتابة حتى لا تنقل جريمة اغتيال إرهابية ناعمة تحاك ضدّ المضربين أبناء الثورة الشرعيين الذين حرروا أصواتها وفكوا عنها قيود تعليمات عبد الوهاب عبد الله وما ألحقته بهم من عار اختاروا طوعا العودة إليه صاغرين إلا من رحم ربّك، إنّ صرخة الاحتجاج التي أطلقها مناضلو ما قبل الثورة وما بعدها في وجه حكومة ائتلاف اليمين بندائها ونهضتها أعادت تعديل البوصلة وصححت شعارات الثورة التي حرفت عن مسارها الاجتماعي إلى مستنقعات التضليل.

وستظل هذه الصرخات أقوى من كلّ كرنفالات الضحك على الذقون والتوافقات المنافقة وستعري حبل الكذب الذي يشنقون به رقاب الشعب لتوجيهه إلى قضايا مفتعلة وهامشيّة.

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.