الأكثر إعادة في تاريخ تونس: “سلسلة شوفلي حل” وغياب الحق القانوني لـ”فناني الأداء”

بقلم الأستاذ نادر الخماسي محامي وباحث في القانون-

لا يختلف إثنان في أن سلسلة "شوفلي حل" هي الأكثر جماهيرية في تاريخ التلفزيون التونسي منذ تأسيسه، وذلك لقُربها من المجتمع التونسي وطرحها لقضايا ومواضيع رغم بساطتها إلا أنها تلامس روح المُشاهد وانتمائه إلى العائلة وتشبثه بالعادات والتقاليد الوطنية.

لذلك فإن البعض من النقاد يعتبرون أن هاته السلسلة قد أصبحت تندرج ضمن التراث الوطني والموروث الثقافي التونسي.

وعمومًا فإن هاته السلسلة تم إنتاجها من قبل التلفزة الوطنية بتأليف السيد "حاتم بالحاج" على مدى 6 مواسم من 2005 إلى 2009 (عرض موسمين في عام 2006) ويتضمن 134 حلقة، لازالت تبثه لليوم قناة "الوطنية 2"  دون انقطاع مما يجعلها السلسلة الأكثر إعادة في تاريخ التلفزيون التونسي والعالمي.
ورغم أن مؤسسة التلفزة الوطنية تحقق الكثير من الأرباح الإشهارية عند إعادة بثها لهاته السلسلة إلا أن جميع الممثلين والمخرجين وكل من شارك في صناعة هذا العمل لا يتمتعون بأي من الحقوق المادية عند إعادة البث لاسيما وأن الكثير منهم قد تضرر أيما ضرر من جراء الإعادات المفرطة لهذا العمل.
 
وفي الحقيقة فإن "سلسلة شوفلي حل" هي المثال النموذجي الذي يُمكن الإرتكاز عليه لدراسة قانون الملكية الفكرية في تونس وتحديدًا "حقوق فناني الأداء" وذلك بنظرة نقدية عسى أن تحفز سلطة الإشراف للجعل من قانون 1994 المُتعلق بالملكية الأدبية والفنية مواكبًا للعصر وحاميًا لحقوق الفنانين في دولة تتسم بالشُح في الإنتاج الفني.
 
وعمومًا تنقسم حقوق الملكية الفكرية إلى صنفين:
صنف يتعلق بحقوق المؤلف وهو كل مصنف أدبيًا كان أو علميًا أو فنيًا مهما تكن قيمته والوجهة التي هو معد لها والطريقة أو الصيغة المستعملة في التعبير عنه، ويشمل كذلك عنوان هذا المُصنف، والمراد بالمُصنف هو التأليف في صيغته الأصلية وكذلك في صيغته المُشتقة.
 
وصنف ثان يتعلق بـ"الحقوق المجاورة" والتي انتظرنا إلى حدود سنة 2009 كتى يتم إدماجها بالمنظومة التونسية للملكية الفكرية، ويقصد بالحقوق المجاورة عملاً بالفصل 47 مكرر من قانون 1994 والمُنقح بقانون 2009"، هي الحقوق التي يتمتع بها فنانو الأداء ومنتجوا التسجيلات السمعية أو السمعية البصرية والهيئات الإذاعية والتلفزية.
 
هذا ويقصد بفناني الأداء، الممثلون والمغنون والموسيقيون والراقصون وغيرهم من الأشخاص الذين يمثلون أو يغنون أو يلعبون أو ينشدون أو يعزفون أو يؤدون بأية طريقة أخرى المصنفات الأدبية أو الفنية المحمية أو المدرجة ضمن الفنون الشعبية.
 
ويتمتع "فنانو الأداء" بالحقوق الأدبية والمادية والأدبية التالية:
الحق فيما يتعلق بأدائهم السمعي أو السمعي البصري الحي أو أدائهم المثبت في تسجيل سمعي أو سمعي بصري، في أن يطالبوا بأن ينسب أداؤهم إليهم، إلا في الحالات التي يكون فيها عدم نسبة الأداء تمليه طريقة الانتفاع بالأداء.
 
الحق في الاعتراض على حق تحريف أو تشويه أو أي تعديل لآرائهم أو على كل مساس يكون ضاراً بسمعتهم. وتكون الحقوق الأدبية غير قابلة للتقادم أو التنازل أو التصرف فيها، غير أنها قابلة للانتقال بموجب الإرث أو الوصية.
 
الحقوق المادية وهي:
حق إذاعة أوجه أدائهم غير المثبتة ونقلها إلى العموم إلا إذا سبق للأداء أن كان أداء مذاعاً.
حق تثبيت أوجه أدائهم غير المثبتة.
حق الاستنساخ المباشر أو غير المباشر لأوجه أدائهم المثبت في تسجيلات سمعية أو سمعية بصرية، بأية طريقة كانت أو بأي شكل كان.
حق التوزيع للعموم للنسخ الأصلية أو غيرها من النسخ، لأوجه أدائهم المثبت في تسجيلات سمعية أو سمعية بصرية، ببيعها أو نقل ملكيتها بطريقة أخرى.
حق التأجير التجاري للنسخ الأصلية أو غيرها من النسخ، لأوجه أدائهم المثبت في تسجيلات سمعية أو سمعية بصرية، للعموم حتى بعد توزيعها من قبل فنان الأداء بذاته أو بترخيص منه.
حق إتاحة أوجه أدائهم المثبت في تسجيلات سمعية أو سمعية بصرية، للعموم بوسائل سلكية أو لاسلكية بما يمكن أفراداً من العموم من الاطلاع عليها حيثما أرادوا ومتى شاؤوا.
 
وعمومًا تستمر مدة حماية الحقوق المادية لفناني الأداء خمسين سنة، بداية من غرة جانفي من السنة الموالية للسنة التي تم فيها تثبيت الأداء في تسجيل سمعي أو سمعي بصري، لكن ورغم وجود الكثير من الحقوق المُميزة لفناني الأداء إلا أنها تبقى منقوصة مقارنةً بما يتطلبه الوضع الراهن وخصوصًا فيما يتعلق بالوضعية المادية لأغلب الفنانين بمُختلف أصنافهم، فلا يُمكن أن ننكر الدور الإبداعي الذي يقوم به فنانو الاداء في المصنفات السمعية أو السمعية البصرية التي يشاركون فيها، فبدونهم لا يُمكن أن تصل للمُشاهد أعمال قيمة ولا يُمكن أيضا لشركات الإنتاج أن تحقق الأرباح المتوقعة.
 
وفي الحقيقة فإن أهم حق مُميز يفتقر إليه القانون الحالي المُتعلق بالملكية الفكرية هو "حق فنان الأداء عند إعادة بث المصنف السمعي او السمعي البصري وأيضا عند بثه خارج التراب التونسي وترجمته إلى لهجات أخرى".
 
وهذا الحق كان من الممكن التنصيص عليه عند تنقيح قانون 1994 في سنة 2009، إلا أن أغلب القوى الفاعلة عارضت هذا التوجه وذلك بتعلة أن فنان الأداء لا يتحصل إلا على أجر محدد بالعقد كمقابل لأدائه، ويبقى لطرف المُنتج الحق في الربح المتأتي من بيع العمل وبثه وإعادة بثه والأرباح الإشهارية الأخرى، بما أنه هو الطرف الوحيد الذي ساهم في التمويل المادي للعمل والتي اعتبرها أغلب المتداخلين عملية تجارية بحة يغلب عليها الجانب الربحي.
 
لكن ورغم الإتفاق المبدئي حول اعتبار الأعمال الفنية من قبيل الأعمال الممزوجة بالدوافع التجارية والربحية، إلا أن أغلب الدول الكبرى تفطنت إلى ضرورة تقنين مسألة "حقوق فناني الأداء عند إعادة البث"، ومن ذلك على سبيل المثال فرنسا، حيث جاء القانون المؤرخ في 22 نوفمبر 2007 والمتعلق بحقوق فناني الأداء عند إعادة البث ليكرس هذا الحق وذلك بالتنصيص على نسب مئاوية معينة يتحصل عليها فنان الأداء عند إعادة بث الأعمال التلفزية والفنية.
 
وفي المغرب أيضًا نجد القانون رقم 2-00 والمُتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة و تحديدًا بالمادة 50 منه يتعرض إلى مسألة حقوق فنان الأداء عند إعادة بث الأعمال الفنية.
 
وعمومًا رغم قلة الإنتاج الفني في تونس إلا أنه على سلطة الإشراف وتحديدًا وزارة الثقافة والنقابة المهنية للفنانين السير نحو إعادة هيكلة الوضعية القانونية للفنان التونسي وصياغة قانون جامع يوازي بين الحقوق المادية والمعنوية للفنان والغاية الربحية للأعمال الفنية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.