“الأطفال المولودين خارج إطار الزواج”.. هل أن القانون كالمجتمع ينظر إليهم نظرة دونية؟

بقلم الأستاذ نادر الخماسي: محام وباحث في القانون-
 
لا تنفك الأعمال الدرامية التونسية وخصوصًا تلك التي يتم بثها في شهر رمضان، من إثارة ردود أفعال متباينة حول نوعية القضايا والمواضيع التي يتم طرحها لاسيما تلك المواضيع التي تتعلق بالشرف والدين والجنس وغيرها.
 
والحقيقة أن الأعمال الفنية من الممكن بل يجب عليها أن تعري الواقع وتطرح مواضيع غير المواضيع المعتادة وهو ما تطرق له العمل الفني الذي تم بثه على قناة الحوار التونسي تحت عنوان ”براءة” والذي لقى موجة من الإنتقادات مردها طبيعة المواضيع المطروحة والتي يرى جانب كبير من الشعب التونسي انه تم الحسم فيها نهائيا، من ذلك مثلاً: مسألة تعدد الزوجات، الزواج العرفي، العنف ضد المرأة.
 
ومن أهم المسائل أيضا التي تم طرحها هي مسألة وضعية الأبناء والأطفال المولودين خارج إطار الزواج، فهل منحهم القانون جميع الحقوق التي من دورها أن تكفل لهم العيش الكريم أم أن القانون كالمجتمع ينظر لهم نظرة دونية؟
 
لم تعرّف مجلة الأحوال الشخصية الزواج وذلك بخلاف العديد من التشريعات العربية التي أسندت لهاته المؤسسة تعريفًا دقيقًا وشاملاً، وربما يمكن تعريف الزواج بكونه تلك الرابطة التي تجمع طرفين بهدف تكوين أسرة تحكمها المودة وحسن المعاشرة والإحسان.
 
والحقيقة أن الأبناء المولودين في إطار علاقة زوجية يطلق عليهم عبارة "الأبناء الشرعيين" وذلك نسبة إلى شرعية العلاقة الزوجية التي ولدوا في إطارها وهو ما يجعلنا نميز بين العديد من المصطلحات القانونية التي كثيرًا ما تثير اللبس والغموض.
 
فمن ناحية أولى نعني بـ"الإبن الشرعي"، هو الإبن المولود في إطار علاقة زوجية وهو ابن يتمتع بقرينة الفراش على معنى الفصل 68 من مجلة الأحوال الشخصية، وقرينة الفراش هي قرينة أو دليل أسنده القانون لثبوت نسب الإبن المولود في إطار الرابطة الزوجية. ويتمتع بهاته القرينة الابن المولود في إطار "زواج صحيح" والإبن المولود في إطار "الزواج الباطل" وكذلك الإبن المولود في إطار "الزواج الفاسد".
 
أما من ناحية ثانية فنعني بـ"الإبن الطبيعي" الإبن المولود خارج إطار الزواج كأن يكون مثلاً في إطار علاقة خنائية بين طرفين وبشرط أن يكون كل من الطرفين حل من كل رابطة زوجية أي أن لا يكون أحد الطرفين له زواج قائم.
 
ومن ناحية أخرى نعني بـ"ابن الزنا" هوالإبن المولود خارج إطار الزواج وفي إطار علاقة جنسية قصدية يكون أحد أطرافها مرتبط بعلاقة زوجية قائمة الذات، والزنا هو جريمة في القانون التونسي لا تقوم إلا بوجود شكاية من الطرف المتضرر.
 
ونعني أخيرًا بـ"الإبن بالتبني" هو الإبن الذي تم تبنيه بموجب حكم صادر عن حاكم الناحية وذلك بعد توفر العديد من الشروط التي جاء بها القانون عدد 27 لسنة 1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني ( مثال كأن يكون الطفل المتبنى قاصرًا ذكرا كان أو أنثى).
 
وعموما يسند القانون لكل صنف من الابناء مجموعة من الحقوق سواء كانت مالية (اي تقدر بالمال كالنفقة) أو غير مالية (كالحق في اللقب)..
 
حقوق الأبناء..
ويختلف إسناد هاته الحقوق بإختلاف نوع العلاقة التي نتج عنها الطفل، والملاحظ أن القانون التونسي، تأثّرا بالنصوص الدينية، يفضل الإبن المولود في إطار علاقة شرعية عن الإبن المولود خارج إطار الزواج.
 
حيث يتمتع "الإبن الشرعي" أي الإبن المولود في إطار علاقة زوجية بكل الحقوق المالية والغير مالية، فله الحق في النفقة والرعاية والحق في نسب أبيه والحق في الميراث والحضانة وكل الحقوق الواردة سواءً بمجلة الأحوال الشخصية أو النصوص الخاصة، وهي نفس الحقوق التي يتمتع بها "الإبن بالتبني". حيث نص الفصل  15 قانون عدد 27 لسنة 1958 أنه" للمتبنى نفس الحقوق التي للابن الشرعي وعليه ما عليه من الواجبات وللمتبني إزاء المتبنى نفس الحقوق التي يقرها القانون للأبوين الشرعيين وعليه ما يفرضه من الواجبات عليهما". وعلى هذا الأساس يتمتع الإبن بالتبني بالحق في الميراث والحق في النفقة والحق في اللقب وعمومًا جميع الحقوق التي للإبن الشرعي.
 
أما بالنسبة "للإبن الطبيعي" وهو الإبن المولود خارج إطار الزواج كأن يكون مثلاً في إطار علاقة خنائية بين طرفين وبشرط أن يكون كل من الطرفين حل من كل رابطة زوجية أي أن لا يكون أحد الطرفين له زواج قائم، فإن قانون أكتوبر 1998 قد منح الإبن الطبيعي الثابتة بنوته (أي بعد ثبوت علاقته البيولوجية بأبيه) مجموعة من الحقوق والتي تتمثل في الحق في النفقة والرعاية والحضانة  اللقب العائلي، ولكن المشرع لم يتحدث عن حق الإبن الطبيعي في الميراث.
 
والمنطقي أن المشرع لو أراد حرمان الإبن الطبيعي من الميراث لنص على ذلك صراحة مثلما كان ذلك مع وضعية ابن الزنا، أما والحال أن المشرع سكت عن حق الإبن الطبيعي في الميراث فالغالب فقها وحسب فقه القضاء أن الإبن الطبيعي يرث أباه ولا مانع من ذلك وربما يعود سكوت المشرع عن هذا الحق في تشبثه بشرعية العلاقات وحماية مؤسسة الزواج.
 
أما بالنسبة "لإبن الزنا" وهو الإبن المولود خارج إطار الزواج وفي إطار علاقة جنسية قصدية يكون أحد أطرافها مرتبط بعلاقة زوجية قائمة الذات فوضعيته أكثر تعقيدًا فهو لا يرث إلا أمه وقرابتها وليس له أي حق في جانب والده، وهو ما يبين أن القانون يفضل صراحة ويميز تميزًا صارخا بين الأبناء المولودين خارج إطار الزواج والأبناء المولودين في إطار الزواج.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.