عڨارب/ اعتصام الحياة في مواجهة تجلّيات الموت

يسرى الشيخاوي- 

"إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر" كلمات تلخصّ معارك متساكني منطقة عڨارب التابعة لولاية صفاقس من أجل حقهم في الحياة، حياة بلا موت وبلا إرهاب بيئي يقض مضاجع الكبار والصغار.

إرهاب بيئي ترزح عڨارب، وتحركات متتالية للمتساكنين ترمي إلى التخلص نهائيا من التلوث الذي بات رديفا للموت يضر بصحة  المواطنين ويسبب لهم أمراضا كثيرة، صعوبة في التنفس مع استشراء رائحة الفضلات تصل أحيانا حد الاختناق.

حالات وفايات وإصابات بمرض السرطان والتليف الكبدي وتشوهات جينيات وحساسية على مستوى العين والأنف ناهيك عن انسياب الزواحف نحو التجمعات السكنية إثر تدمير الوسط البيئي، ذلك أن مصب عڨارب واقع في محمية "القنة".

مصادر تلوث كثيرة طالت الهواء والتربة والماء، ودعوات متتالية لغلق المصب الجهوي للفضلات ونقله من المحمية الطبيعية ومحاسبة المتسببين في التلوث من مصانع تكرير الفيتورة ومؤسسات التصنيع ومعالجي النفايات بطرق بدائية.

إضافة إلى كل مصادر التلوث السابق ذكرها، قنوات الصرف الصحي في عقارب غير مهيئة وتضخ في المحمية الطبيعية والمصب يبعد حوالي كيلومتر عن أقرب نقطة سكانية إليه.

 تجاوزات كثيرة في عقارب تعود بالوبال على المواطنين، وفق حديث الناشط سامي البحري الذي حدّث حقائق أون لاين عن حملات التشوبه التي طالت كل من طالبوا بوقف الإرهاب البيئي المسلط على عقارب.

تهديدات كثيرة طالت الناشطين في المجتمع المدني منذ انطلاق التحركات ضد التلوث وصولا إلى اعتصام الحياة مرورا بحملة " مانيش مصب، حتى أن الشركة المتسوغة للمصب قدمت شكوى بأربع ناشطين مفادها تعطيل مرور شاحنتي فضلات لتفريغ حمولتيهما بالمصب.

وبعد الإعلان عن موعد جلسة استماع للناشطين الأربع في نوفمبر القادم تم تغيير التاريخ إلى الثامن والعشرين من اوت الجاري وبمثولهم امام المحكمة تم تأجيل الجلسة إلى يوم الإثنين المقبل لغياب الجهة الشاكية عن المكافحة، وفق حديث سامي البحري أحد المطلوبين للمحكمة.

وعن اتهامهم بتعطيل سير الشركة، يقول محدّثنا أنه لم يتم منع الشاحنات من تفريغ الحمولة وأن كل ما في الأمر أنهم عادوا أدراجهم حينما لمحوا تجمعات الاهالي المطالبين بغلق المصب فوريا.

ورغم كل الصعوبات التي يواجهونها والتي ترواحت بين التهديد والتضييق عليهم، يؤكّد أنه لا مجال للتراجع عن اعتصام الحياة خاصة وأن متساكني عقارب متسلحون بقوة القانون، إذ كانت محكمة الناحية بعقارب من ولاية صفاقس، قد أذنت في جويلية من سنة تسعة عشر وألفين بالوقف الفوري لاستعمال مصب "القنة" لتجميع الفضلات نظرًا للأخطار التي يمثلها على صحة المواطنين وحقهم في التمتع ببيئة سليمة حسب ما تنص عليه أحكام الدستور، وفق نص الحكم.

ويعد هذا القرار الأوّل من نوعه في تاريخ القضاء التونسي، قرار رجّح كفّة المواطنين وأنصف حقهم الدستوري في بيئة سليمة، إذ ينص الفصل 45 من الدستور على أن "الدولة تضمن الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ كما على الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي".

قرار قضائي وأوامر بلدية تقضي بغلق المصب ولكن التنفيذ بقي مؤجلا إلى حد كتابة هذه السطور، وهو ما يعكس غياب رغبة في إنقاذ حياة متساكني عقارب، وفق قول سامي البحري الذي يشير إلى أنهم باتوا يشعرون بأنهم مواطنون درجة ثانية.

 ولأن عقارب يحبون الحياة مااستطاعوا إليها سبيلا ويدافعون عن حقهم فيها بكل ما أوتوا من أساليب سليمة فإن اعتصامهم، اعتصام الحياة، كان فضاء لورشات رسم وموسيقى وأدب حيث تعلّم الأطفال معنى أن الحق يفتكّ ولا يهدى.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.