إلى “لالجيرينو”: من أين تأتي بالغرور كلّه؟

يسرى الشيخاوي-

الفنّ رسالة حمّالة معان، الفنّ تعبير استيتيقي عن فكرة ما أو ذوق ما أو رؤية ما، الفن هو كل تلك الذبذبات التي يتلقّاها المستمع فيمتصها ويحوّلها إلى نشوة.

الفنّ أخو الخلق، فالفنان يسكب بعضا من روحه في عرضه، الفنّان نبي وأداؤه وحي، الفنّ في تجلّياته المختلفة جمال والجمال عميق ينبع من دواخل لا مستقرّ لها.

وللفنّ عموما والغناء خصوصا فلسفة، فلسفة بأسس متشابكة تتداخل فيها الكلمات والموسيقى وأداء المغنّي ورؤيته ، فلسفة تحدّد قدر الفنّان، ويبدو أن فنان الراب الفرنسي من أصول جزائرية “لالجيرينو” قد ” ترفّع” عن بلورة رؤية وتصوّر يليقان بركح مهرجان قرطاج وبجمهوره.

وفي مواجهة آلاف المعجبين من الشباب والمراهقين والسيّاح الجزائريين، اعتلى “لالجيرينو” ركح مسرح عريق، بلا استراتيجيا وبعقلية “فنّاني” الملاهي الليلية.

أضواء تستطع من ركح المسرح الأثري بقرطاج وترتطم بالمدارج، قد تخونك الانطباعات في ذروة الصخب، وتجول عيناك في المدارج التي أصبحت مكانا مخصّصا للرقص على “الريتم” السريع.

مجموعة الأضواء الوامضة لا تتوقّف عن التلألؤ، الموسيقى تراوح بين الراب، والهيب هوب، والراي، والريغي، وأيضا النغمات الشاوية، وأجساد الشباب والمراهقين تنتفض تناغما معها.

“لالجيرينو” الذي غابت عن سهرته رؤية فنّية واضحة لم يكتف بالصعود على الركح بلا أدنى استعداد، بل أدّى أغانيه على طريقة الـ”بلاي باك”، هو في الأصل لم يعتل الركح ليغنّي بل ليحادث الجمهور بلكنته الفرنسية ويكرّر على مسمعه مرارا ” cv la famille”.

عرض لم يتجاوز الساعة والربع، لم يسمع فيه الجمهور صوت ” لالجيرينو” في أداء مباشر سوى في مقطع صغير من أغنية لملك الراي الراحل الشاب حسني ” ما تبكيش قولي هذا مكتوبي”.

ورغم أنّ تقنية “البلاي باك كانت واضحة من خلال عدم تناسق الأداء مع الكلمات، فإنّ لالجيرينو حاول أن يطمس ذلك من خلال الحديث عن المؤثرات الالكترونية ليرضخ في الاخير لنقد الصحفيين في النقطة الإعلامية، ويقول إنّ أشهر الفنانين يستعملون تقنية ” البلاي باك”.

والفنان الفرنسي جزائري الأصل سمير جغلال، وإن هزّت أنغام موسيقاه المسجّلة أجساد آلاف الأشخاص، فإنّه أغفل كون الاستماع إلى صوت الفنان في أداء مباشر أفضل من الاستماع إليه مستنسخا بتقنية الـ”بلاي بايك”.

ويظهر ان الجمهور لا يعنيه إن كان الاداء مباشرا أم لا، المهم أنّ الفنان الذي يتابعه على اليوتيوب “ينطّ” أمامه على المسرح، ولعلّ رقصات الجمهور الهستيرية وهتافاتهم الصاخبة خير دليل على ذلك.

وقد سابق الجمهور “لالجيرينو” على أداء أغنيات ” va bene” و” si tu savais ” و” sur la tête de ma mère ” و” effet miroir” و” les menottes ” التي كرّرها ثلاث مرّات.

والمغنّي الذي رافقه خلال الحفل الذي نجح جماهيريا وأخفق فنيا، دي جي “كايتون” والمغنّي ” ديدان” الذي شاركه الغناء على وقع المؤثرات الالكترونية و”القفز” على المسرح، لم يفلت فرصة الحديث عن نفسه في الفسحات بين الأغاني وبدت أناه متضخّمة جدّا جدّا من خلال استعماله عبارات من قبيل “l’algérino number 1 “.

وفي الندوة الصحفية التي عقبت العرض بدا منسوب غروره مرتفعا جدّا حيث كادت ردوده لا تخلو من جملة ” انت ما تعرفش لالجيرينو”، فمن أين يأتي بهذا الغرور كلّه وهو الذي غابت عنه أهم سمات الفنّانين ألا وهي احترام جمهوره؟

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.