يسرى الشيخاوي-
قد تفرض عليك مهنتك احيانا أن تشاهد بعض الأعمال المحسوبة على الكوميديا أو على الدراما رغم عن أنفك، ويحدث أن تشاهد بعضها وانت تشعر بمثل شعور السجين الذي لا يملك مفاتيح حرّيته ولكنّك تواصل النظر إلى المشاهد من باب حتمية العلم بالشيء.
وأحيانا يشدّك الفضول إلى عمل كوميدي تفرّقت أجزاؤه بين المواسم الرمضانية، هو دنيا أخرى، فضول لمعرفة الإضافة التي سيأتي بها جزء جديد وللإطلاع على الأشكال الجديدة لاجترار واستهلاك نفس الأفكار والصور النمطية.
يبدو الأمر في البداية من قبيل الأحكام المسبقة، ولكن مشاهد السلسلة المحسوبة على الكوميديا ترسّخ اعتقادك بأن لا جديد على مستوى الأفكار ولا الأداء، هي نفس الأفكار القديمة يعيدون استنساخها في صور يخالون أنّها مضحكة ولكنّها في الواقع موجعة جدّا لأنها تكشف الهوة بينهم وبين الكوميديا.
استسهال وتكرار وكليشيهات بعض من وجوه "دنيا أخرى"، فعلا هي دنيا أخرى قوامها التهريج والابتذال والإغراق في التفاهة، هي دنيا أخرى بلا رسالة ولا سيرورة نصّية، هي دنيا أخرى تصير فيها الإعاقة مادة للتندّر والفكاهة.
وعيناك تقعان على مشهد المراد به إضحاك المتفرّج، مشهد لبطلي السلسلة "الهزلية" وهما يتصنعان حركات لأشخاص ذوي الإعاقة، أحدهما يحاكي ذا إعاقة عضوية والآخر مصابا بالتوحّد، قد يبدو المشهد مثيرا للضحك لبعضهم ولكنه يوجع أما ابنها من ذوي الإعاقة وأبا وأختا وأخا وقريبا وأي شخص من ذوي الإعاقة.
المشهد الذي يعتقد صانعه أنه مضحك، مبك جدّا لأنه يعري ابتذال بعض المنتسبين إلى الكوميديا ويسقط ورقة التوت عن رداءتهم وعن شحّ أفكارهم وعن هرولتهم وراء قوالب هزلية يعتقدون أنها تذكرتهم لإضحاك الجمهور ولكنها في الواقع تذكرتهم إلى الإساءة إلى إنسان لا يحمل وزر إعاقته.
وإن كان المشهد يحيل إلى أنّ تلك الحركات التي يأتيها الممثلان إنما هي نتاج لعنة إلهية، وهو ما يعكس خواء فكريا وفراغا وعدم دراية بالأمور لتبقى اللعنة الإلهية الحقة اعتقاد البعض بأنهم كوميديون ونفخ البعض الآخر في رمادهم بعد أن اخترقوا مرات ومرات.
