يسرى الشيخاوي-
"إناّ هنا باقون.. فلتشربوا البحرا.. نحرس ظل التين والزيتون.. ونزرع الأفكار، كالخمير في العجين"، كلمات لشاعر المقاومة توفيق زيادة تتناهى إليك لما تتعثّر بصورة لأهالي بولعابة بلطة بوعوان الواقعة في بوسالم من ولاية جندوبة.
وأنت تجول بأنظارك بين الحجارة التي حملوها بأيديهم ورسموا بها طريقا يسلكه أبناؤهم إذ يمّموا وجوهم شطر المدرسة، في بعض الحجارات نتوءات لعلها أحدثت وقعها في الأيادي ولكنهم عبّدوا طريقهم.
للحجارة إن لامست الثرى صوت الغضب، وإن لامست غيرها من الحجارة تعكس ذروته، ولكن هل يحرّك هذا الصوت الدولة المستقيلة من مهامها حتى باتت عاطلة منذ مدّة، دولة لا تلتفت إلى مناطق كل ما مرت سنة كل مازاد تهميشها.
في الصورة التي التقطتها عدسة الصحفية عبير الغزواني رمزيات كثيرة وفي كل حجر معنى، وعلى امتداد الطريق التي هيّأها مواطنون يؤمنون بقيمة العلم وألا منجّي لأطفالهم إلاه تتلبس المشاعر وتغزوه الفوضى ولا تنفك تلعن الحكومات المتعاقبة التي جعلت جسد الدولة موشّحا بالأسافين.
وهاهو إسفين آخر ينظاف إلى القائمة، حينما أيقن الأهالي ألا جدوى من الانتظار وأن عليهم التحرّك بأنفسهم لأنفسهم، ألقوا الحجارة على الطريق وكأنما يلقونها على وجه التهميش يرشقون بها كذبة العدالة الاجتماعية.
هي الرهبة من مشهد انغماس أقدام أبنائهم الصغيرة في الوحل حرّكتهم قبل ان ينطلق موسم بكاء السماء، ولكن ألن تؤذي نتوءات الحجارة أقدامهم؟ ألن تحرّك الصورة التي تبدو سوريالية جدّا في بلد يتشدقون فيه بسنوات من الحضارة؟ ألن تستقيل الدولة من عطالتها؟
أسئلة كثيرة تتهافت على ذهنك وأنت تتفكّر في تلط الأجساد الصغيرة والأقدام الأصغر وهي تستجير بحجارة حادة من سيول الوحل في فصل الشتاء لتكون كل عثرة لعنة على الحكومات المتعاقبة وعلى المسؤولين الذين لا يتحرّكون إلا بعد وقوع "الكارثة".