قدّم أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي، قراءته لمضمون مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي الممضاة يوم الأحد 16 جويلية 2023، مشيرا إلى أنها لا تتطرق إلى موضوع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بل توحي بأن الاتحاد الأوروبي هو من سيعوّض الصندوق وذلك بمرافقته الإصلاحات الاقتصادية التي أعدتها تونس.
وأوضح أن النقطة المتعلقة بالهجرة في المذكرة تنص على مكافحة الهجرة غير النظامية وذلك بتأكيد موقف تونس كونها ليست بلد إيواء للمهاجرين غير النظاميين، وعلى توفير الدعم المالي من الجانب الأوروبي لمكافحة الشبكات الإجرامية لمهربي المهاجرين وتهريب البشر وإرجاع المهاجرين غير النظاميين الموجودين في تونس إلى بلدانهم الأصلية.
كما تنص خاصة على إرجاع المواطنين التونسيين غير الشرعيين إلى تونس وإعادة إدماجهم عبر المساعدة على إنشاء مشاريع مجدية اقتصاديا.
وتساءل الشكندالي "هل أن إرجاع التونسيين غير النظاميين إلى تونس سيتزامن مع الانطلاق في تنفيذ المشاريع التي تحدثت عنها المذكرة أم أن الأهم هو التخلص منهم وقبولهم من طرف تونس ثم الانتظار حتى تتحدد نوعية هذه المشاريع وطرق تمويلها؟"، قائلا: "عندها ستتفاقم البطالة وسيتزايد منسوب الاحتقان الاجتماعي مع تواصل ارتفاع معدلات التضخم المالي".
ولاحظ رضا الشكندالي، في تصريح لحقائق أون لاين، اليوم الثلاثاء، أنه وفقا لرجال القانون وبعض السياسيين، فإن الوثيقة الموقع عليها، وهي مذكّرة تفاهم وليست باتفاقية تعاون، وبالتالي غير ملزمة للطرفين، وفق تأكيدهم.
ووقعت تونس والاتحاد الأوروبي، الأحد، في قصر قرطاج، مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة" تُركز على مجالات التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية وتهدف أيضا إلى مساعدة تونس في مواجهة الصعوبات الاقتصادية الكبيرة"، حسب تصريحات متطابقة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسي وزراء إيطاليا وهولندا، جورجا ميلوني ومارك روته.
5 محاور أساسية
وبيّن رضا الشكندالي على صفحته بموقع الفيسبوك أن المذكرة تتضمّن 5 محاور أساسية، وهي:
1) استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز النمو الاقتصادي وذلك بوضع منوال جديد للتنمية المستدامة الشاملة انطلاقا من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أعدتها تونس. ويناقش الاتحاد الأوروبي هذه الإصلاحات ابتداءا من الربع الثالث من عام 2023 ويرافقها من خلال دعم الميزانية الذي سيدفع بالكامل في عام 2023.
2) الاقتصاد والتجارة وذلك بزيادة التبادل التجاري وتحسين مناخ الأعمال وتحديد فرص الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمشاريع الخاصة في ميادين الزراعة والاقتصاد الدائري والتحول الرقمي أي مشروع الكابل الرقمي والنقل الجوي. وكل هذه المشاريع ستتحدد في إطار المؤتمر الدولي للاستثمار الذي تعتزم تونس تنظيمه في قادم الأيام.
3) الانتقال إلى الطاقة الخضراء وذلك بتزويد المواطنين والشركات بالطاقة المنخفضة الكربون وتمكين تونس من تصدير الطاقة المتجددة عن طريق مشروع "ألماد".
4) التقارب بين الشعوب: تعزيز مهارات القوى العاملة التونسية من أجل دعم التنمية الاقتصادية في تونس وزيادة التعاون في مجالات التعليم والبحث والابتكار المضمنة في برامج الاتحاد الأوروبي مثل "Horizon Europe و +Eramsus. وتحسين ممارسات دول الاتحاد الأوروبي في إصدار تأشيرات شنقن للمواطنين التونسيين.
5) مكافحة الهجرة غير النظامية وذلك بتأكيد موقف تونس المتمثل في عدم كونها بلد إيواء للمهاجرين غير النظاميين وتوفير الدعم المالي من الجانب الأوروبي لمكافحة الشبكات الإجرامية لمهربي المهاجرين وتهريب البشر وإرجاع المهاجرين غير النظاميين الموجودين في تونس إلى بلدانهم الأصلية، وخاصة إرجاع المواطنين التونسيين غير الشرعيين الى تونس وإعادة إدماجهم عبر المساعدة على إنشاء مشاريع مجدية اقتصاديا.
ملاحظات مهمة
ولاحظ الاستاذ رضا الشكندالي أنه لا يوجد في هذه الوثيقة أية تفصيلات مهمة تتعلق بنوعية المشاريع المقترحة وبالمبالغ المرصودة لها وحتى مشروع المسودة الأولى والتي قدّمت منذ حوالي شهر كانت فيها أكثر تفصيلات وخاصة فيما يتعلق بالمبلغ المرصود لدعم الميزانية، وهي الأهم بالنسبة لتونس.
كما لاجظ أنه ما عدى مشروع "ألماد" للطاقات المتجددة والتي حددت فيها مساهمة الاتحاد الاوروبي بمبلغ 307 مليون يورو، لا يوجد في الاتفاقية أي مبلغ يلزم الاتحاد الأوروبي بتنفيذه وحتى مشروع "ألماد" ممول في أغلبه من طرف البنك الدولي في إطار الشراكة الستراتيجية الجديدة وما سمعناه من مبالغ مالية في الندوة الصحفية لا يمكن الاعتماد عليها ما لم توثق في نص المذكرة.
وأشار إلى أن احتياجات تونس آنية وتتعلق بتوفير العملة الصعبة اللازمة لإنعاش خزينة البنك المركزي، لكن لا توجد مساعدات أو قروض آنية واضحة ستتحصل عليها تونس وحتى تعهد الاتحاد الأوروبي بدفع مبلغ دعم الميزانية الخاص بسنة 2023 كاملا وخلال هذه السنة لم تحدد هذه الوثيقة بالضبط قيمته الحقيقية عكس ما كان في مشروع المسودة الأولى التي قدمت في جوان 2023 وهي 150 مليون يورو، ما عدى النقطة الأولى والتي تتعلق باستقرار الاقتصاد الكلي حيث تحدثت الوثيقة عن دعم الميزانية لكنها لم تحدد المبلغ.
وتابع بأن "كل المشاريع التي ستنتفع منها تونس ستحدد في مؤتمر للاستثمار الذي ستحتضنه وتشارك فيه دول الاتحاد الأوروبي وغالبا ما تتوج بوعود للاستثمار مثلما شاهدناه في المؤتمرات السابقة كمؤتمر الاستثمار 20-20، لكن من الصعب تحقيق هاته الوعود والنوايا على أرض الواقع لأنها ستصطدم بمناخ أعمال غير مشجع للاستثمار وبواقع اجتماعي وسياسي غير مستقر.
ولفت إلى أن المذكرة تشمل أساسا مشاريع اقتصادية مهمة لكنها لا تأتي أكلها إلا بعد سنوات واحتياجات تونس آنية.
وبيّن أن المشاريع المعروضة في المذكرة حتى وان كانت لها تداعيات اقتصادية واجتماعية جيدة، فهي تصب أساسا في مصلحة الاتحاد الأوروبي من حيث تثبيت العمالة غير النظامية في تونس أو توفير الطاقة التي افتقدتها أو التي وجدت صعوبة في توفيرها بأسعار عالية أثناء الصراع في اكرانيا. والسؤال الذي يطرح نفسه هل أن إرجاع التونسيين غير النظاميين الى تونس سيتزامن مع الانطلاق في تنفيذ هذه المشاريع أم أن الأهم هو التخلص من المهاجرين التونسيين غير النظاميين وقبولهم من طرف تونس ثم الانتظار حتى تتحدد نوعية هذه المشاريع وطرق تمويلها، عندها ستتفاقم البطالة وسيتزايد منسوب الاحتقان الاجتماعي مع تواصل ارتفاع معدلات التضخم المالي.
كما أشار إلى أن المذكرة لا تتطرق إلى موضوع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بل توحي بأن الاتحاد الأوروبي هو من سيعوض الصندوق وذلك بمرافقته الإصلاحات الاقتصادية التي أعدتها تونس.
وبين أن جانب التكوين والتدريب والبحث العلمي من الخطة يتمثل في توسيع الفرص أمام الشباب التونسي للدراسة والعمل والتدريب في دول الاتحاد الاوروبي لمساعدتهم على تطوير المهارات التي يمكن استخدامها لتعزيز الاقتصاد التونسي عبر برنامج "ERAMSUS PLUS" و "Horizon Europe"، قائلا: "لا أعتقد أن هذه البرامج ستضيف شيئا للاقتصاد التونسي بما أنه ليس لدينا إشكال من هذه الناحية فخريجي الجامعات التونسية خاصة في ميادين الإعلامية والطب وغيرها يشتغلون في أفضل القطاعات في أوروبا ولا يحتاجون تدريبا خاصا لإفادة الاقتصاد التونسي لأن المنوال السائد الذي يعتمد على المزايا التفاضلية لليد العاملة الرخيصة لم يتغير الى الآن".