“أمينة”.. المرأة والحرب والحريّة بعيني أيمن زيدان

 يسرى الشيخاوي-

بعيدا عن مشاهد الدمار والخراب وأصوات الغارات والقصف ودموع الثكالى واليتامى وسيلان الدماء في ثنايا سوريا الجريحة، يصوّر فيلم " أمينة" للمخرج أيمن زيدان آثار الحرب في من زاوية مغايرة للقراءات السرديات السينمائية للحرب في سوريا.

والفيلم الروائي الطويل يرسم ملامح صمود البلد في ملامح مقاومة امرأة لكل الظروف الصعبة المحيطة بها ولكل المصائب التي تأتي جماعات، هي "أمينة" المرأة السورية التي أصيب ابنها العسكري في الحرب.

القذيفة كانت كفيلة بأن تفقده الحركة والنطق، ولكنّها لم تمس أمل الأم في شفاء ابنها قيد أنملة، وفيما هي تحمي أملها الذي لا يعترف بالحدود من هبات اليأس التي تحاوط المكان من حولها يأخذ الموت زوجها زتجد نفسها وحيدة في مواجهة دين كبير.

و"أمينة" التي تواجه اطماع احد المتنفذين في ضيعتها إذ يبتزّها بالدين الذي تركه زوجها في محاولة للتأثير فيها لتقدّم له ابنتها "قربانا"، ليست سوى انعكاسا لسوريا البلد الجريج الذي يتلقّى الطعنات تباعا ولكن شعبه لا يستسلم لوجع الحرب ويستنطق الحياة على تخوم الموت. 

وفي التجربة الروائية الاولى له، وضع أيمن زيدان المشاهد وجها لوجه مع إمرأة تتشكّل من جديد كلما تهاوت، إمرأة لا تسقط إلا لتنهض من جديد أكثر صلابة، إمرأة لا تعرف المستحيل ولا تخنع للواقع إمرأة تكذّب الكل وتصدّق الأمل.

صمود وتضحية زمن الحرب، كلمات قد تختزل الفيلم الذي خيّر مخرجه أن يكون تصويره في ريف الساحل السوري، مكان مفعم بالحياة والاولوان ولكنّه أيضا يرشح وجعا ويخضّب الأرض دما يسيل من تلك الجراح العميقة التي لا يمحي الزمن آثارها، هي الحرب نذير الم يصيب الأرواح قبل الأجساد.

دون مبالغة في الاداء نجح الممثلون في عرض معاناة الام التي تلملم شتات نفسها بنفسها وتؤثر أبناءها عليها، وهي التي تقارع اليأس لتكمل ابنتها تعليمها وتصبح مدرّسة، هو حلمها الأخير الذي تتشبث به بعد أن يبس زرعها من حولها.

والام التي يتمزّق قلبها كل يوم لرؤية ابنها طريح الفراش بلا سند، فحتّى زوجته وابنه رحلا برغبة منه تنثر الامل من حولها وتعيد لسيدة آوتها في منزلها ووهبتها عملا تستعين به على الظروف القاسية رغبتها في الحياة وتدفعها إلى الوقوف مجدّدا على قدميها وهي التي أصيبت أيضا بقذيفة.

"أمينة" ليست إمرأة فحسب هي امتداد للوطن والحرية وصرخة في وجه الحرب، هي التي أبت أن تسلم بعجز ابنها ورفضت أن تبيع أرضها وكأنها مؤمنة بأن كل ما تعيشه كابوس ستصحو منه يوما ولن يترك أثرا.

وإن قبلت أمينة ببيع حضتها من الأرض برغبة منها بعد أن حاصرها الدائن، فإنّها في نهاية الفيلم تعانق بيدرها من جديد وتشق طريقا في تفاصيله المحروقة فهي لن تتخلى عن أرضها ووطنها حتّى في خرابها الاخير،وهل يوجد خراب أشد وقعا من موت ابنها.

رمزية الوطن والام تزيّن كل تفاصيل الفيلم  ذو الحبكة الدرامية البسيطة والأخاّذة في ذات الآن، إذ تعانق السرد والصورة وأداء الممثلين لرسم شاعرية المأساة في سوريا الجميلة دائما حتّى بآثار الحرب فيها.

"أمينة " سردية نفسية اجتماعية للحرب في سوريا، لوقعها في النفوس، ولأن الحرب وآثارها عبرت حدود الصبر والاحتمال فإن قدرة أمينة على المضي في سبيل الأمل كانت أيضا بلا حدود وهي التي انتهت إلىحرث الرماد لتبحث عن بعض النور.

والفيلم يقحمك في معاناة الإنسان في سوريا بعيدا عن السياسة وعن الأطراف المذنية وعن النظام وعن المارقين عنه وعن الثوار وعن الكتائب جمعاء، فيلم عن الحرية والمرأة والحرب في عيني ايمن زيدان، هو معنى جديد للحرب في سوريا. 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.