يسرى الشيخاوي-
إذا كنتِ خوّافةً، كالنعامةِ، مثلي ومنّي… فانّي أحبّكِ… مفْصِحَةً كنتِ..أمْ جاحده،،، إذا كنت أنثى حقيقيةً أرجعينا إلى بطنك الآن ولْتلدينا جميعا إناثا… لكي نتساوى فهذا الذي اسمه رجلٌ لا يطيق التذكر من أين جاءَ ويُحْزنه أن أمًّا له أدخلتْ رجلاً قبْلهُ ثمّ لانتْ لهُ.. زُنْطةً حافيهْ، كلمات من قصيدة "إذا كنت شعبا عظيما" للشاعر الراحل الصغير أولاد حمد تعالت في قاعة الريو لتعانق خطوات الراقصة أميمة المناعي.
كلمات دارت على نسقها أميمة المناعي حول نفسها حاملة إطارا يختزل كل الأطر التي ترتفع لتحاوط الجسد عموما والجسد الأنثوي خصوصا، دوران بوتيرة سرعة تخال معه أن جسدها تحرر من بعده المادي وصار طيفا يجاري انسياب الحروف.
ومع تكرار الدوران يتفكك الإطار، وعبر فتحة في جانبه يجول الجسد الراقص من فضاء إلى آخر ويهرب من الزوايا التي تحاول جاهدة حشره فيها، هي الرغبة الجامحة في الانعتاق،
على الركح، سخرت الراقصة أميمة المناعي كل خلاياها ومسامها وخطواتها ونظراتها لترسم ملامح عرض كوريغرافي يحمل أكثر من عنوان، هو عرض "M B10" المعمّد بالحريّة والثورة والثائر على كل أشكال الوصاية، العرض الذي يعني عنوانه " مرا بـ10"، بل هي المرأة التي تؤوي داخلها كل النساء.
جسد ثائر، جسد حر، جسد راقص، يستجير بالخطوات ليهدم أفكار التملّك والأسر التي تغذيها بعض العقليات المتكلّسة التي مازالت تحصر المرأة في ركن عنوانه الخوف من الجسد، بل الخوف على الجسد وفي رواية أخرى الخوف على انهيار عرش الذكورية على اعتاب تحرره من كل القيود.
وأنت تتابع حركات جسدها وتعبيرات وجهها وهي تتنقل بين الفضاءات الرمزية التي خلقتها لنفسها بعيدا عن ذلك الإطار، الذي ارتأت الرؤية السينوغرافية أن يكون على شاكلة حامل مشاجب، تقفز إلى ذهنك كل تلك الوصايا التي يرمونها إليك منذ أن يتبدّى وعيك بما حولك.
وصايا تتساقط عليك من كل صوب حتى تكاد تحجب عنك الأفق، وصايا عن المشية والجلوس والوقوف والنوم والحديث والضحك والبكاء والعلاقات، كل تلك الوصايا تخففت منها أميمة المناعي وهي تقتفي أثر الحرية بجسدها الراقص.
لمدة أربعين دقيقة تقحمك أميمة المناعي في صراعات الأنثى، تلك الصراعات التي تخوضها داخلها والأخرى التي تحاول أن تنتصر فيها على نفسها وعلى الآخر، صراعات جسّدتها بكوريغرافيا سخرت فيها كل جسدها لتنقل بصدق لحظات المخاض التي تواجهها يوميا وتنتهي بها إلى ولادة حرية أخرى.
ومن العناصر الآسرة في العرض، السينوغرافيا التي أوجدها فاتح الخياري، سينوغرافيا تجعل من الجولان بين رقصات معروضة على الشاشة في واجهة الركح ورقصات واقعية تنهل منها فعلا ممتعا، رقصات سقط معها الجسد الراقص مرارا ولكنه كان ينتفض في كل مرة أكثر مرونة وقوة تماما كما تنتفض العنقاء من رمادها.
من الشاشة في الخلف إلى الإطار الذي يتبدّل مكانه ويتغير تماما كالأطر الكثير التي تسجن فيها المرأة بأشكال مختلفة إلى الطاولة التي يقف عندها أحمد العبيدي الذي يشارك أميمة المناعي الأداء.
بملابس تشبه ملابس السجان يقف ويحرّك أزرار الآلة التي تصدر الموسيقى ولكن في الواقع هو تجسيد للسلطة الذكورية التي لا ترضى بأن تفلت كل تلك الخيوط التي كست بها جسد الأنثى لتحركها كما تشاء وأنى تشاء.
في الأثناء تواصل أميمة المناعي تلاوة مانيفستو الحرية بجسدها قبل أن تلقي إليه الإطار وتلعن كل الأطر التي جاءت لتكبح ثورتها وثورة كل الإناث على هذه الأرض وتصرخ حي على الحرية حي على الحياة".
ولمن يرغب في مشاهدة ملاحم النساء كما رأتها أميمة المناعي، يمكنه متابعة العرض الراقص "M B10" على صفحة أيام قرطاج الكوريغرافية وموقعه في السادس من جوان الجاري على الساعة الثامنة مساء ضمن تسجيلات تعهدت هيئة المهرجان بأن تكون ذات جودة تعكس احتراما للفن والفنانين