قتلتنا الردة..قتلتنا الردة ..قتلتنا الردة ..
حتى أن الواحد منا يحمل في الداخل ضده !
أبدأ مقالي بهذا المقطع من رائعة مظفر النواب لأنني بعد 48 ساعة من تحمسي لصدور "الكتاب الأسود" أجدني مدفوعا دفعا للتعبير عن صدمتي من بعض ما تضمنه . لقد تحمست للكتاب قبل الاطلاع عليه متوهما انه يفضح مرتزقة الإعلام و أصحاب صحافة المجاري في العهد النوفمبري.. واذا بمؤلفيه يعيدون نشر ما كانت تروجه وسائل دعاية بن علي للمس من أعراض بعض المعارضين ..و يسوون بين هؤلاء و آخرين كانوا يجاهدون جهادا للتوفيق بين الحفاظ على أسباب لقمة العيش لهم و للعاملين في صحفهم و الحفاظ على ماء الوجه ..و من هؤلاء المنصف بن مراد مثلا الذي عانى الأمرين طيلة الثمانينات مديرا لمجلة "حقائق" بسبب فتحها المجال ليعبر الجميع فيها عن آرائهم ، و الدكتور المرزوقي نفسه كان واحدا منهم *..قبل إعطاء نفسه استراحة المحارب في جريدة "اخبار الجمهورية" ..الجريدة الشعبية التي لم تدع يوما غير ذلك ..و مع ذلك لم يتخلف بن مراد عن مساندة القضايا العادلة و لو باحتشام ..و منها المظلمة التي تعرض لها محمد بوعبدلي مثلا ..
الخطأ في اعتقادي ليس خطأ المرزوقي فقط ..بل خطأ الحاشية التي حوله خاصة ..وتحديدا خطأ مستشاريه الذين من المفروض انهم يتقاضون أجورهم لتقديم النصح للرئيس و منعه من ارتكاب الاخطاء..و نشر "الكتاب الأسود" آخر هذه الاخطاء . فلا مضمونه مقبول ..و لا شكله يشرف مؤسسة الرئاسة للاخطاء البدائية التي تسربت اليه ..و لا الظرف الزمني مناسب لصدوره ..أما عن المآخذ القانونية فحدث و لا حرج ..و يبدو انها ستضع السيد رئيس الجمهورية في أكثر من حرج !
—————————————–
* بعيد الغزو العراقي للكويت ..و هزيمة العراق العسكرية ..تعرض الدكتور منصف المرزوقي الى حملة شعواء بسبب موقفه المتفرد من الغزو..و وحدها مجلة "حقائق" التي حشرها "الكتاب الاسود " ضمن صحافة المجاري مكنتني شخصيا من مساندته في عددها 290 الصادر بتاريخ 15 مارس 1991 ص 28 بالمقال التالي :
"نضاله الدؤوب في سبيل حقوق الانسان هو الذي جعله ينتخب رئيسا للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. و مع ذلك كان موقفه المبدئي من مسالة الاجتياح العراقي للكويت مناسبة ليكتشفوا انه "ناقص وطنية و عروبة" ..و تألمه الشديد للهزيمة العسكرية التي مني بها العراق هو الذي دفعه الى كتابة مقاله الذي نشرته له "حقائق"بالعدد 289..و مع ذلك رمي بكل كلماته التي تقطر غيرة على الامة عرض الحائط ليقولوا انه "يشوه انتصار العراق"و "يحذر كل عربي ينوي النسج على منوال صدام حسين " و كأن العراق انتصر فعلا – و علامة ذلك قبوله بكل الشروط لإيقاف العدوان عليه ..و ما الحرب الاهلية منذئذ الا تعارك على اقتسام الغنائم ! – و كأن الدخول في مغامرة السبعة اشهر و ثمنها عشرات الآلاف من القتلى – بعد تسبقة اولى تمثلت في التخلي عن المكسب الوحيد من حرب الثماني سنوات و مئات الآلاف من القتلى – ..كأن ذلك مثال يحتذى به لا بد من منصف مرزوقي للتحذير من النسج على منواله ..و هم لا يكتفون بذلك بل يستغربون موقفه "في حين ان السلطة تجاوبت مع نداء الضمير و طموحات الشعب " ..ما هذا يا ناس ؟ هل تريدون ان تقولوا " في حين ان حتى السلطة …" ؟ اذن لماذا تمتدحونها في نفس الفقرة ؟ ام انكم عهدتم المنصف المرزوقي يتخذ مواقفه بمراجعة السلطة ؟ ثم ما هذه المغالطة ؟ اي فرق بين حكومتنا التي لم تعترف باحتلال الكويت و لم ترض في نفس الوقت بشن العدوان على العراق…و منصف المرزوقي الذي دافع عن حقوق الانسان الكويتي و لم يبق بعد ذلك مكتوف اليدين امام انتهاك حقوق العراقي ؟..رباه..ألا ما أقبحنا ! " .
