آمال المثلوثي.. صوت يتأرجح بين الثورة والإنسانية

يسرى الشيخاوي-
 
فستان أبيض طويل متعدّد الطبقات تماما كالسيناريوهات التي يمكن أن تواجه الإنسان على وجه البسيطة، بلا أكمام وكأنّ به يردّد أعطني حريّتي أطلق يديّ، أطلّت به الفنانة آمال المثلوثي على ركح قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة في افتتاح أيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري.
 
والمثلوثي لم ترتد الفستان الأبيض عن الهوى، بل الأمر رمزي وحمّال دلالات خاصة إذا ما كان كل أعضاء الفرقة يرتدون الأسود، كأنها أرادت أن تقول إنّ النور يولد من رحم العتمة وأن لا بد لليل أن ينجلي ويعم النور.
 
ثنائية الجسد والروح.. 
لأنّ صوتها يتأرجح بين الثورة والإنسانية، لم تغن آمال المثلوثي بصوتها وتحرّك جسدها فحسب بل أطلقت العنان لروحها، لترقص على إيقاع الحرّية، في شاشة خلف ركح مسرح قاعة الأوبرا، انعكاسات لحركاتها على المسرح بدرجة إضاءة أقل حتى تبدو أحيانا أشبه بظل وهّاج.
كان آداؤها متفرّدا، لم تكن جامدة، تحرّكت بخطوات مدروسة أدّت إلى انعتاق روحها في الشاشة خلف الركح، حرّكت يديها وجسدها وجسّدت معاني الثورة والإنسانية في حركاتها.
 
بخطوات هادئة وأخرى غاضبة، وبانسياب سلس لحركة يديها وآخر متشنّج حاكت المثلوثي مسارات الإنسانية والثورة، وانتصرت بجسدها وروحها وصوتها لمبادئ السلام والحريّة وحثّت على كسر القيود.
 
تعبيرات موسيقية بهاجس إنساني..
المتأمل في كلمات آمال المثلوثي سيلحظ أنّها نهلت من معجم الإنسانية بما فيها الثورة التي تعدّ احدى وسائل التجديد فيها، فالثورات تكسر حواجز السلطة التي من شأنها أن تكبل الإنسان وتجعله حبيس فضاء مادي لا نوافذ له.
 
ولأنّ الثورة قد تكون فرصة للتعبير عن إنسانية الإنسان، فإنّ أغاني المثلوثي كانت تعبيرة عنها، وفي مدينة الثقافة صدح صوتها مردّدا "liberta" و"قدّاش قداش" و"اقتلني نكتب غناية" و" إنسان ضعيف"، وأعادت إلى الذاكرة حقبة من الزمن خلنا ّانّها دفنت ولكن البعض عاد لينبش في قبرها.
صوت "الدرامز" كان يحاكي غليان الشارع التونسي ذات ثورة، وخطوات الالاف من التونسيين المدوّية امام وزارة الداخلية منادين برحيل دكتاتور، والكمنجات وثّقت صراخ المتظاهرين منادين بالحرية والكرامة الوطنية.
 
ولأنّ الحب ملح الإنسانية، غنّت آمال المثلوثي "آخر الحكاية"، فكانت ترنيمة للحب، وفي الشاشة خلف الركح رقص حبيبان على شرف الحبّ.
 
الثورة ابنتنا..
"عمرك ما تقول فديت"، غنّت آمال المثلوثي لجمهورها، وتقاسمت معه حلمها في أن تستمر المسيرة، وكأنها تقول لمن خرجوا للمناداة برحيل بن علي لا تيأسوا فالثورة مازالت حيّة، ايقاعات شرقية وأخرى غربية تعلو في المكان، وصوتها الدافئ مرفوق بتوهجات جسدها، تظهر المثلوثي في الشاشة خلف الركح بقعة ضوء في قلب السواد.
 
وفيما هي تقاسم جمهورها، ما يعتمل صدرها إزاء الثورة والإنسانية، صعدت ابنتها إلى الركح، دلالات المشهد ليست عصية على الفهم، أليست الثورة ابنة الاحرار والثوار والتواقين إلى غد أفضل، أنرمي بثورتنا إلى المجهول، كلها أفكار قد تتبادر إلى ذهنك وأنت تشاهد ذلك الجسر من النظرات بين المثلوثي وابنتها.
 
من الأبيض إلى الأسود..
قبل دقائق من انتهاء حفل آمال مثلوث انسحبت من الركح وهي ترقص لتعود مرتدية، فستانا أسود اللون، لتغني " ثملة"، وتدور حول نفسها كالدراويش، وفي دورانها الجنون الذي تعبّر به عن نفسها.
 
وارتداؤها لفستان أسود لم يكن هو الآخر اعتباطيا، ففي نهاية العرض غنت " كلمتي حرة" قبل أن تلمّح في كلمات مقتضبة إلى تواصل السياسة القمعية، وكأنّها تقول لا يغرّنكم النور في خلف الشاشة فالبعض مازال يحن إلى زمن الدكتاتورية.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.