آخر اصدارات المعهد العربي لرؤساء المؤسسات: “دور الصين كمقرض ومستثمر في المنطقة العربية”

أعد المعهد العربي لرؤساء المؤسسات تقريرا  تحت عنوان "دور الصين كمقرض ومستثمر في المنطقة العربية" سلط فيه الضوء على التعاملات الاقتصادية للصين مع الدول العربية.

لعبت الصين دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي عبر التاريخ، حيث اشتهرت البلاد بصناعتها وإنتاجها للحرير، والشاي، ومع ذلك، لم تبدأ الصين في الانفتاح على الاقتصاد العالمي، وتبني سياسات اقتصادية موجهة نحو السوق، إلا في أواخر السبعينيات، حين بدأت في الظهور كقوة اقتصادية كبرى.

في الوقت الحالي، تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث تمثل قرابة الـ 18٪ من الناتج الإجمالي العالمي سنة 2022 ، كما تعتبر أيضاً أكبر مصدر للسلع في العالم، حيث شكلت صادراتها حوالي 15٪ من التجارة العالمية سنة 2020 .

على الصعيد العربي، عملت الصين على توطيد العلاقات مع الدول العربية، لا سيما في منطقة الخليج، من خلال مبادرات مختلفة مثل مبادرة الحزام والطريق، والشراكات الاستراتيجية، كما كان طلب الصين على الطاقة عاملاً مهماً في علاقتها مع الدول العربية، لا سيما المملكة العربية السعودية، والجزائر، والامارات العربية المتحدة.
كما ترتكز هذه العلاقات على تعزيز التجارة، والاستثمارات، والتعاون في مجالات متعددة مثل الطاقة والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والتعليم، وغيرها.
الهدف من المذكرة هو توضيح دور الصين الكبير في التوسع في المنطقة العربية، كمستثمر أساسي ومقرض لعدد من الدول، وحجم النفوذ الذي تمتلكه في الاقتصاد العالمي، ومجموعة بريكس.

الوجود الصيني في الشرق الأوسط وشمال افريقيا

توسع دور الصين في المنطقة العربية تدريجياً على مدار العقود الماضية، حيث تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للصين، بسبب احتياطاتها الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي، كما أنها معبر بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.

مؤخراً، أصبحت الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للعديد من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والجزائر والإمارات العربية المتحدة، حيث تستورد الصين النفط والغاز من هذه البلدان، كما موضح أدناه:

كما تستثمر الصين في مشاريع النفط والغاز في دول مثل العراق والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى ذلك، تستثمر في مشاريع الطاقة المتجددة في دول مثل مصر والإمارات العربية المتحدة. ويشمل ذلك مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تساعد في تقليل اعتماد المنطقة على الوقود الأحفوري.

إضافة إلى ذلك، تعمل الصين على توسيع وجودها في المنطقة من خلال استثمارها في البنية التحتية للنقل، مثل الموانئ والسكك الحديدية في دول مثل مصر وسلطنة عمان، وتساعد هذه الاستثمارات في تحسين شبكات النقل في المنطقة وتسهيل نقل البضائع بين الصين والدول الأخرى.

بالنسبة لدول شمال افريقيا، تعتبر استثمارات الصين في تونس محدودة مقارنة بالدول الأخرى، رغم أنها تعتبر ثالث أكبر مورد للسلع الاستهلاكية لها سنة 2021، حيث بلغت وارداتها السنوية 2.2 مليار دولار (حوالي 6،7 مليار دينار). 

ومع ذلك، احتلت الصين سنة 2020، المرتبة الـ 35 في قائمة الدول التي تستثمر في تونس، حيث بلغت استثمارات الشركات الصينية قرابة الـ 34 مليون دولار  (حوالي 103 مليون دينار)، وهو مبلغ متواضع مقارنة بفرنسا، باعتبارها أكبر مستثمر في تونس، بقيمة 2.4 مليار دولار (حوالي 7،3 مليار دينار) في ذلك العام.

بينما في ليبيا، حافظت الصين على علاقات تجارية مع ليبيا من قبل 2011، حيث بلغت استثماراتها قرابة لـ 19 مليار دولار  (حوالي 58 مليار دينار)، وتركزت حول البنية التحتية، من بناء المساكن، ومد السكك الحديدية، والاتصالات السلكية واللاسلكية، ومشاريع الطاقة الكهرومائية.

أما المغرب، بلغت الاستثمارات الصينية قرابة الـ 1.6 مليار دولار (حوالي 5 مليار دينار)، بين 2014 و2019، مع التركيز على قطاعات النقل والطاقة والعقارات، ومن أبرز المشاريع الأخيرة التي شيدتها الصين في المغرب سنة 2016، هو تنفيذ أطول جسر في إفريقيا، يمتد على قرابة الـ 950 متراً.

في فيفري 2022، أنشأت مجموعة سيتيك الصينية، مصنعا لإنتاج قطع الغيار، بمبلغ يصل إلى قرابة الـ 200 مليون دولار  (حوالي 600 مليون دينار)، ويُعد أكبر مشروع استثماري للصين في المغرب.
أخيراً، أصبحت الشركات الصينية الشريك المفضل للجزائر في مشاريع البنية التحتية المدنية، بين 2005 و2020، وصلت قيمة الاستثمارات الصينية قرابة لـ 24 مليار دولار  (حوالي 73 مليار دينار)، وتركزت هذه الاستثمارات في قطاعي النقل والعقارات.      

في ماي 2022، وقعت شركة سينوباك الصينية مع شركة سوناطراك الجزائرية، اتفاقية تطوير واستغلال في قطاع الطاقة، بقرابة الـ 430 مليون دولار  (حوالي 1،3 مليار دينار).

قدمت الصين 128 قرض إنقاذ إلى 22 دولة حول العالم، بين سنة 2008-2021، وتستهدف هذه القروض بشكل أساسي البلدان ذات الديون المرتفعة للصين، ومن بين هذه الدول:


ويُنظر إلى هذه القروض على أنها بديل لمصادر التمويل التقليدية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كما لا تفرض الصين شروطاً سياسية أو اقتصادية على قروضها، على عكس قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي تتطلب في كثير من الأحيان إصلاحات هيكلية وتغييرات في السياسة كشرط للإقراض. 

ومن شروط الإقراض الصيني، يتعين على المقترضين إعطاء الأولوية لسداد القروض الصينية على القروض الأخرى، مع أسعار فائدة مرتفعة، حيث يبلغ متوسط سعر الفائدة قرابة الـ 5%، وهو أعلى من معدل سعر الفائدة بالنسبة لقروض الإنقاذ التابعة لصندوق النقد الدولي، والتي تبلغ 2% على مدى الـ 10 سنوات الماضية ، وقروض الخزانة الأمريكية، أما بالنسبة لقروض صندوق النقد الدولي الموجهة للبلدان منخفضة الدخل يبلغ سعر الفائدة فيها 0% .

كما يمكن تقديم قروض الإنقاذ على شكل استثمارات في الأسهم المتعثرة، (مثل استثمار الصين في شبكة الكهرباء في لاوس خلال عام 2020)، أو على شكل شراء لسندات سيادية أجنبية، مثل استثمار الصين في شراء سندات الخزانة الامريكية، حيث تمتلك الصين قرابة الـ 970 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية في 2022، ما يعادل 12٪ من الدين العمومي للولايات المتحدة، وهذا يجعل الصين ثاني أكبر مالك لسندات الخزانة الأمريكية بعد اليابان.

الجدير بالذكر أن القروض الصينية لا تتعارض مع المقرضين الآخرين، حيث حصلت مصر في جانفي 2016، على قرض إنقاذ من بنك التنمية الصيني بقرابة الـ 2 مليار دولار للبنك المركزي المصري، الذي يُعد هذا القرض ضمن إطار اتفاقية دعم السيولة التي تم توقيعها بين البلدين، بهدف تعزيز الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، والحفاظ على استقرار الاقتصاد، وفي نوفمبر من نفس العام، حصلت مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لمدة 3 سنوات، بهدف استعادة الاستقرار الاقتصادي وتعزيز النمو وخلق فرص عمل.

لم تشمل قروض الإنقاذ الصينية دولاً مثل تونس، لكن الصين قدمت لتونس قروضاً ثنائية بين 2000-2012، بقرابة الـ 215 مليون دينار تونسي (قرابة الـ 68 مليون دولار)، و54 مليون دينار (قرابة الـ 17 مليون دولار) كمساعدات .
وفي سنة 2021، وقع البلدان على منحة بقيمة 40 مليون دينار (قرابة الـ 13 مليون دولار)، مُخصّصة لتمويل المشاريع في تونس.

دور الصين في مجموعة "بريكس"
كان دور الصين في مجموعة البريكس التي تضم (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) مهماً منذ إنشاء المجموعة عام 2006، وباعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم والاسرع نمواً، فقد ساعدت مشاركة الصين في تشكيل الأهداف الاقتصادية والسياسية للمجموعة.

في الوقت الحالي، تساهم مجموعة "بريكس" بأكثر من 31.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متجاوزه بذلك مساهمة مجموعة الدول السبع (G7) التي انخفضت إلى 30٪، ومن المتوقع أن ترتفع هذه المساهمة أكثر من 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030 .

كما تلعب الصين دوراً مهماً في مجموعة "بريكس"، إذ تعد أكبر اقتصاد فيها، بناتج محلي إجمالي قارب الـ 17 تريليون دولار سنة 2021، في حين أن البلدان الأخرى مجتمعة لا يتجاوز إجمالي ناتجها المحلي الـ 8 تريليون دولار. 

كان أحد أهم تأثيرات دور الصين في البريكس هو زيادة التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، حيث مكن وضع الصين كقوة اقتصادية كبرى من تقديم مساعدة مالية وتقنية كبيرة للدول الأعضاء الأخرى. كانت الصين مستثمراً رئيسياً في عدة مشاريع في البنية التحتية في دول مثل البرازيل وجنوب إفريقيا، مما ساعد على تحفيز النمو الاقتصادي في هذه الدول.

بنك التنمية الجديد
ساهمت الصين في تطوير بنك التنمية الجديد الذي يعد بديلاً لمؤسسات الإقراض التقليدية مثل البنك الدولي، حيث تم أنشاء هذا البنك سنة 2014 وهو بنك تابع لمجموعة "بريكس"، برأس مال في حدود الـ 50 مليار دولار.

نفذ البنك قرابة الـ 96 مشروعاً، خلال الفترة الممتدة من 2016 حتى 2023، وتعد الصين أكثر المستفيدين من هذه المشاريع، حيث تم تنفيذ أكثر من 27 مشروع في الصين في مختلف المجالات، وتجاوزت قيمتها الاجمالية الـ 8 مليار دولار.

أول مشروع تم تنفيذه في الصين سنة 2016، بتمويل بلغ أكثر من 32 مليون دولار، في مجال الطاقة المتجددة، وآخر مشروع نفّذه البنك في الصين أيضاً، سنة 2023 بتمويل يصل إلى قرابة الـ 200 مليون دولار، في مجال البنية التحتية لقطاع النقل، وتُعد هذه المشاريع جزءاً من خطة البنك في تطوير البنية التحتية المستدامة.

بالإضافة إلى ذلك، قدم بنك التنمية الجديد قروضاً لدعم المشاريع العمومية أو الخاصة في الدول الأعضاء بمجموعة بريكس، ولهذه القروض ثلاثة أنواع، قروض سيادية، وقروض غير سيادية، والاستثمارات في الأسهم، حيث يتمتع البنك باحتياطي للطوارئ بقيمة 100 مليار دولار، لمساعدة البلدان الأعضاء في المجموعة في حالة مواجهة تحديات في الميزانية أو السيولة .

على سبيل المثال، قدم بنك التنمية الجديد قرضين طوارئ لجنوب إفريقيا، الأول بقيمة 1 مليار دولار في جوان 2020، والأخر أيضاً بقيمة 1 مليار دولار في أفريل 2021 .

كما أن بنك التنمية الجديد مفتوح لانضمام الدول المهتمة لكن بعد الحصول على الموافقة من جميع الدول الاعضاء، حيث انضمت الإمارات العربية المتحدة، وبنغلاديش سنة 2021، ومصر سنة 2023، وتُعد الأوروغواي عضواً محتمل الانضمام في المستقبل، بحسب بيانات البنك.

والجدير بالذكر بأن انضمام الدول للبنك لا يعني انضمامهم للبريكس، حيث يوفر الانضمام للبنك إمكانية الوصول إلى تمويل مشاريع التنمية وفرصة العمل مع المؤسسات المالية المحلية والدولية لتعزيز النمو والتنمية.
ولتلخيص الدور الصيني في المنطقة العربية، توضح الخريطة التالية الاستثمارات الصينية، وقروض الإنقاذ التي تقدمها لدعم الدول، ومن هي الدول العربية التي انضمت لبنك التنمية الجديد، وتلك الأخرى التي قدمت طلب الانضمام للبريكس.

وبالتالي، أصبحت الصين مستثمراً أساسياً في المنطقة العربية، ومقرض لبعض الدول، كما تلعب دوراً محورياً في مجموعة بريكس وبنك التنمية الجديد، لتوسيع نفوذها الاقتصادي وتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها من الغرب، يتوقع العديد من الاقتصاديين بأنها ستستمر في تحقيق تمركزها ونجاحها في الاقتصاد العالمي، ما يعزز مكانتها كلاعب رئيسي في المشهد العالمي.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.