ملحمة بنقردان التونسية والأسئلة الأعمق..

تُطبق جدران الغرفة الباردة انفاسي، أتابع آخر نشرات الأخبار الواردة من هناك من بنقردان الأبية الشامخة أين يواجه المواطنون بصدور عارية ارهابيين اقتحموا مدينتهم ويرغبون في تشويه معالمها وسبي نسائها وتحويلها الى إمارة معزولة عن التاريخ تسودها الفوضى..

أتابع بلهفة كلَّ جديد وكلَّ تعليق وكل تدوينة عن تفاصيل ملحمة حاكت فصولها وحدات الجيش الوطني والحرس الوطني والأمن والمواطنون الذين يواجهون ببسالة هؤلاء الذين لا تليق بهم تسمية "الجرذان " كما يحلو للبعض تسميتهم فالجرذان حيوانات تلعب دورها الطبيعي في التوازنات البيئية في كتاب الحياة المفتوح وهي الطبيعة وإلا فما فائدة وجودها أصلا.

أتابع كيف يُحصي التونسيون بفخر كل لحظة مقتل ارهابي جديد ينضاف الى قائمة طويلة منهم والتي  وصلت الى اكثر من خمسين مقابل استشهاد عدد من الامنيين وعناصر الجيش الوطني والمواطنين.

أتابع كيف تزُفُّ الام ابنها والزوجة زوجها بفخر وشموخ وعزة وكبرياء الى رياض الشهداء والى رياض الجنة بحول الله والزغاريد تعج في المكان و عطر الشّجاعة يعتّق درب الشهداء.

أتابع بسالة الصحفيين والمصورين ونشطاء المجتمع المدني في صولاتهم وجولاتهم وفي نقلهم للخبر اليقين بعد التحري و التمعن في تفاصيله الظاهرة والباطنة حتى لا يستفيد منه ارهابي متخف يقتنص الاخبار ويستثمر زلات الاعلاميين لصالحه.

أتابع السياسيين الخجولين من أنفسهم والذين انكفؤوا على ذواتهم ولم يندسوا في الجنازات للمزايدة والمتاجرة احيانا بدماء شهدائنا.. فيهم من ذهب و ندم ورجع خائبا لان اهالي بنقردان يرفضون الركوب على الاحداث وهم الأدرى بنوايا هؤلاء لذلك تسمّر العديد منهم وراء شاشات الكمبيوتر أوالتلفاز يتابعون مستجدات ساحات الوغاء في هذه المدينة القصية العصية.

أتابع .. وأتابع.. لكن ما لا يتابعه البعض منا هو لحظة فارقة يكتشف فيها جندي الوطن في طيات ثياب الارهابي الرثة جوازَ سفر تونسيا أخضرَ قانيا ..تتعالى الاسئلة وتختلط المشاعر في كيانه ويشتعل الرأس أسئلة ..أهذه نهايتها ؟ أهذا الذي أحارب ؟ هذا الذي أكل من تربة تونس قمحا وتمرا ورضع من ماعزها وبقرها حليبا وتلمّظ خبزها و عسلها ؟؟ أهذا الذي أقاتل من بني وطني ؟؟ ترمّلت نساء و تيتم أطفال وذُرفت دموع و لُطمت خُدود الحيارى في فيافي الحزن ..والقاتل أنت ؟؟ أتونسي أنت ؟ أم ماذا ؟؟ 

أشْفِقُ على وحداتنا من جيش وحرس وديوانة وأشفق على أهالي بنقردان الذين يقاتلون ابناء أهلهم .. مفارقة مؤلمة محزنة . أشفق عليهم لان المصيبة مصيبتان . لو كان هذا العدو عدوا لهان الامر لكن الشعور بأنك تقاتل تونسيا تنفس هواء البلد وشرب ماءها وأكل من نِعَمها هو شعور مُرّ لا يعرف مرارته إلا ذاك الجندي المثقل بتعب المواجهة و المسكون بالحيرة تجاه عدو هو منه لكنه تخلى عنه وأصبح يتربص به وبالوطن.

أبَعْد كل هذا نجد من يتحدث عن احترام الجثث ؟؟ أبعد كل هذا نجد من يتشدق بخبرته في التحليل الامني والعسكري و ينثر سُمَّه تجاه بطولات تونسية صرفة مشككا حينا في قيمة ووجاهة النصر وأحيانا في قدرة المؤسسة الامنية والعسكرية على الصمود طويلا؟.. 

تبّا لكم ولخبرتكم في الاسهال التحليلي المردود عليكم .. دعونا وشأننا فنحن أولى بقراءة وضعنا وتشخيص آلامنا فتونس ليست مريضة بالقدر الذي ترونه وتونس ولّادة تزرع الحياة في كل شبر من ترابها ما دامت اسودنا مرابطة متوهّجة ومادام في الارض متّسع من الحُلم والأمل والحياة.

هناك من ساءه سِلفي لجندي مزهوّ بنصره مع جثة سَلفي .. وهناك من السياسيين من تنصّل من مسؤولياته أيام كانت الدعوات للتكفير و القتل والسّحل أمام الملأ وحتى في وسائل الاعلام واليوم إمّا متخف خجول أو متربّص يتابع الوضع وفي قلبه أسف على من كانوا يذكّرونه بشبابه. 

دعونا لشأننا .. ودعوا بواسلنا يواجهون في صمت واخفضوا من صخبهم و خففوا الوطء على أديم تونس قبل أن تلفظكم ونلفظكم.. فهل وصلت الرسالة ؟؟..أتمنى ذلك.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.