مصر تمر بمحنة، ما في ذلك شك. أعمال القتل في سيناء والعمليات الانتحارية والاغتيالات في القاهرة ومدن مصرية أخرى تجعلنا نطرح السؤال حول مستقبل ثورة 25 جانفي/ يناير. من المسؤول عما يحدث؟! هل يكفي ان نتهم القوى العلمانية والليبرالية مدعومة بالجيش ، والتي تشن حرب استئصال ضد الاخوان ، بالمسؤولية عما يحدث ؟! أم هل نذهب الى تحليلات البعض بالقول ان أخطاء الاخوان القاتلة طوال اثنى عشر شهرا من حكم محمد مرسي وطريقة ادارة مكتب الارشاد للازمة السياسية هي أصل الشر ؟!

أهم من الجدل العقيم حول ما حدث يوم 30 جوان/يونيو، إن كان انقلابا أم ثورة شعبية، فان مصر دخلت مرحلة جديدة. يراد لمصر اليوم ان تسير قسرا الى نسخ الحالة العراقية او تكرار الوضعية السورية. قتل واغتيالات وعمليات مسلحة وضرب لقدرات الدولة والجيش المصري واهدار لدماء الابرياء . وأكثر من ذلك كله الإجهاز على القوة الاقليمية الوحيدة المتبقية امام اسرائيل. بأيدي من يتم مخطط ضرب مصر هذه المرة؟!

للأسف الشديد هناك مستفيدون عديدون من الفوضى الأمنية التي تعرفها مصر. مستفيدون اقليميون وأولهم اسرائيل التي يراقب جنودها على حدود سيناء بعين الرضى كيف أن "أنصار بيت المقدس" تركوا "مقدسهم" خلفهم ومضوا يلغون و يتمرغون في دماء المصريين!

أحد المستفيدين ـ الضحايا – ايضا مما يجري هم الاخوان المسلمون الذين يحققون ضمنيا مقولة "نحن أو الدمار". لم يحل شعار السلمية ، واصابع اليد الاربعة التي اتخذت شعارا لرفض ما اعتبر انقلابا ، من اتخاذ وضعية الصمت المتواطئ مما يجري.

صحيح ان جماعة الاخوان المسلمين قاومت تاريخيا كل اطروحات تبني العنف بداخلها غير ان "الجهاد" ضد الظلم ظل مقولة حمالة اوجه لم تحسم ثقافيا ودينيا بشكل نهائي مما اتاح لاطراف التنظيم وانتاجاته الاكثر راديكالية للقيام بدور نواة التنظيم بالوكالة. صحيح ان حسن الهضيبي كتب "دعاة لا قضاة" غير ان سيد قطب "بمعالمه" و"ظلاله" ظل مرجعا تكفيريا للعقائدين من شباب الاخوان.

ان الأفراد والجماعات التي تتحرك اليوم لاستهداف الجيش المصري وضرب قوات الامن وتكفير المصرييين ماهي  الا نتاج لثقافة لم تتخلص بعد من اعتبار الجهاد واجبا اسلاميا يجوز اعتماده لا لمحاربة اسرائيل وامريكا والغرب الكافر فقط بل لضرب الاخر المسلم الذي يتم تكفيره بتمش منطقي اصولي فقهي ينتهي الى اخراجه من دائرة الاسلام ومن ثم استباحة دمه وعرضه وماله.

في الصراع السياسي الدائر حاليا بين الاخوان والقوى الليبرالية والعلمانية لم يفهم القائمون على امر العنف ومسطروه والمحرضون عليه ان التقوية في نسقه يصب في مصلحة الطرف الثاني من الصراع. القوى الليبرالية مستفيدة مما يجري أيضا. كلما ارتفع منسوب اعمال العنف بما يعنيه من قتل للمواطنين الابرياء وذبح للجنود "الغلابة"، تأكد جمهور المصريين مخاتلة ان ما قام به عبد الفتاح السيسي يوم 3 جويلية/ يوليو هو عين الحق!

كيف للمواطن المصري ان يتصور ان من قام بتفجير مديرية أمن المنصورة هم غير الاخوان واتباعهم والراغبين في عودتهم الى السلطة ؟! ايقاف نزيف العنف المسلح وقتل المصريين هو توريط للاخوان وتبرير للحرب الاستئصالية الشاملة التي تشن ضدهم. 

فهمي هويدي أحد كتاب الاعمدة المحسوبين على الاسلاميين كتب في الشروق المصرية بتاريخ 25 ديسمبر 2013 مقالا يعلن فيه "عن فشل الحل الامني". بالتأكيد ان الحل الامني فاشل في مواجهة احزاب او جماعات تنبذ العنف والصراع المسلح غير ان ما سكت عنه هويدي ان امر العنف في مصر تقوده اليوم قوى تكفيرية لا تؤمن بغيره ولا يجب التعامل معها الا بالاسلوب الامني والعسكري.

الاخوان الذين يعلن هويدي فشل التعامل الامني معهم  في الحالة المصرية يدفعون ، بغير ارادة منهم ربما، ضريبة قيام "التيار الجهادي" باعمال القتل والذبح. ليطرح السؤال الاستاذ فهمي هويدي على افراد هذا التيار الجهادي عن اسباب لجوئهم العنف و سيجيبونه بتخريجة دينية تتعلق بالواجب الشرعي الذي يدور حول ثنائية "التكفير والجهاد" .اما الاجابة السياسية فستكون "عودة الشرعية الانتخابية" بما يعنيه عودة مرسي الى الحكم.

التيار الجهادي في مصر يقود الاخوان وخصومهم الى مرحلة جديدة من الصراع أصبح هو الذي يحدد فيها مآلاته اصلا. للاسف يبقى الجهايون "ضاحية" من "ضواحي" نواة الاخوان تاريخيا وعقائديا. وبدخولهم على الخط في الصراع السياسي بين الاخوان وخصومهم قبر بشكل درامي شعار اصابع اليد البريئة الداعية الى عودة مرسي بطريقة سلمية الى قصر الاتحادية. للاسف ورط القطبيون الاخوان في لعبة العنف مجددا.

أمام  محنة مصر الجديدة ما بعد الثورة. ليس هناك حلول سحرية. هناك حلول آنية وعاجلة. لا خيار لقادة مصر الجدد الا الضرب بقوة امام ما يعتبره كل المصريين خطا احمر تسقط معه كل المقدسات والانتخابات والحسابات:  دماء المصريين. 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.