لخبطة حقوقية وخرق لمبدإ عدم تنازع المصالح

ان المتتبع للشان الحقوقي يلاحظ بشكل عام القفزة الكمية للنشاطات والموجة الكبيرة في كل مجالاته وأجياله  من استحداث مؤسسات رسمية سواء تنفيذية او تعديلية مستقلة ومنظمات وشبكات مجتمع مدني مكن من توسيع اليات الرقابة والرصد وتغطية اكبر في مظلة الحماية واعتماد المقاربة الحقوقية في تناول مختلف الموضوعات.

مع هذه النقلات شهدنا لخبطة و سقوط خطوط التماس والحدود الفاصلة بين القيمي و الوظيفي والطوعي والمهني مما افضى لتنازع المصالح .ان تعدد المتداخلين والأطراف  في المجال الحقوقي وتحديد وتوصيف حضور كل متدخل واخذ بعين الاعتبار لدوره وطبيعته وحسن توظيفه يؤمن المسالة من الانحراف ويحمي المجال ويخدم القيمة ويعد من اوكد دواعي المصداقية و الشفافية والحياد ومتطلباته الاساسية .

ما استحثني للكتابة في هذا الموضوع هو الخرق الواضح لكل هذه المعاني وضربها في العمق من جهة الاصل  فيه وهي احد اهم دعامات المجال الحقوقي ومنبته الطبيعي وهم رجالات القانون وليست عقيدتهم سوى التحري و التنزه والالتزام بالقواعد الكلية للقانون . شرع الفرع الجهوي للمحامين بتونس في تدريب  لفريق المختص في زيارة اماكن الاحتجاز و رصد وتوثيق الانتهاكات.

رغم احترامي الشديد لدور المحامي في مجال الرصد و التوثيق وفي منظومة حقوق الانسان عموما والذي كنت شاهدا لدوره البطولي قبل الثورة ، رغم كل هذه المحبة والاحترام الشديد والكثير منهم اصدقاء اجلاء كلنا شركاء في تأسيس ممارسة حقوقية نزيهة وشفافة .

قد خصصت جميع القوانين الاساسية المحدثة للهيئات التعديلة المستقلة سواء منها الدستورية او غير الدستورية تمثيلية وجوبية لهيكل وقطاع المحامين في كل التركيبات لدور المحامي المحدد والفاعل الذي يجمع بين التكوين الاكاديمي النظري القانوني  والممارسة في مربعات واضحة وجلية لما يحاول ان يحول هذا الدور الى سيطرة مطلقة في المجال ولعب كل الادوار سواء قصدا او سهوا من باب المسؤولية ان نلفت الانتباه الى خرق مبدأ عدم تنازع المصالح ولن نغرق في المفهوم القانوني باعتبار ان السادة المحامين اكثر تمكنا في كل مجالات اختصاصاته القانونية ،مدني او جزائي .. والموكل في كل تعريفه إلى الفقه والقضاء ولكن سأكتفي ببعض تعريفاته  العامة  للمفهوم المرتبطة بسياقات المجتمع المدني.

* تنازع المصالح يقوم متى كان هناك شخص في وضعية إدارية أو سياسية أو تطوعية تجعله بصفة مباشرة أو غير مباشرة يستفيد من هذه الوضعية وقد يقدم مصلحته الذاتية على المصلحة العامة.

* تنازع المصالح حتى لو كانت هناك مجرد شبهة من أجل استغلال الموقع لتحقيق مصلحة ذاتية أو مصلحة لأحد الأقارب أو الأصدقاء أو للزوجة أو الأصهار أو الأصول وإن علواأو الفروع وإن سفلوا.

* الجمع بين المراقبة والتسيير

 الفصل 13 مكرر جديد  من مجلة الاجراءات الجزائية الذي اصبح المحامي بموجبه متدخلا في بداية الاحتفاظ لدى الضابطة العدلية وباحث البداية هو خطوة متقدمة من توسيع اليات الحماية القانونية للمحتفظ بهم او الموقوفين ولطالما كان مطلبا اساسيا في السنوات الاخيرة من مختلف  الاطراف (هياكل مهنية وجمعيات مجتمع مدني المتخصصة في المجال )ادراج دائرة جديدة متقدمة في مجال تدخل المحامي مهنيا  منذ الاجراءات الاولى للتحفظ والإيقاف ما يمكن المحامي من مواكبة  كل مراحل العملية مهنيا (احتفاظ -ايقاف -تحقيق- محاكمة -تنفيذ عقوبة ) ما يطرح سؤالا مركزيا اي خطا فاصلا او حدودا بين المهني وبين الطوعي المحايد المنزوع المصالح وإحالة جديدة على معاني تنازع المصالح في ما ذكرت اعلاه.

هل ممكن ان نجمع في نفس المجال المهني والمصلحة الذاتية وعملا طوعيا نزيها ومحايدا ومستقلا منزوع المصالح. هذا التداخل يضرب مسالة التوثيق والرصد وصدقتيها.

اذا كان مسموحا  لقطاع مهني طرف في العملية الرقابية والطوعية التدخل سيكون وجوبا تدخل بقية القطاعات المهنية في المجال يعني تدخل الهياكل المهنية للامنيين والهياكل المهنية للقضاء الذي يعد مخالفة واضحة للمعايير الدولية والمرجعيات والنصوص المؤسسة  من معاهدات و مواثيق واتفاقيات للرقابة والرصد والتوثيق ومخالف لشروط الحياد والموضوعية والاستقلالية والنزاهة والصدقية و الوثوقية  ….

المحامي شريك اساسي في حقوق الانسان ضمن بقية الشركاء اما ان يحاول ان يستأثر بلعب كل الادوار وحده المهنية و التطوعية التسييرية و الرقابية فهذا خرق واضح وصريح لمبدأ عدم تنازع المصالح ويؤسس الى بارونات حقوق انسان في مهنة المحاماة على  غرار بارونات تأمينات الحوادث  …ومحامي قطاع الاعلام ….الذي بدات الهياكل تتحرك ضده بإلاجراءات.  

هذا الجنوح الخطير وسط سكوت كل الاطراف ومباركة بعضهم يطرح تساؤلات كبيرة و متعددة التأويل

* مهندس البرنامج  اما ان يكون غير مستوعب ومدرك لهذه القيم في مجال حقوق الانسان والمبدأ القانوني في عدم تنازع المصالح القائم على النزاهة والحياد والاستقلالية  والموضوعية او بصدد تفريغ نفسي واستنساخ تجربة اخرى لم يستطع التميز فيها وإسقاط غبي.  

* او ضمن روزنامة  واضحة متناغمة ومتناسقة من مهندس البرنامج مع وزير العدل وقضاة اصبحوا موظفين في وزارة الداخلية  من اجل التجسير مع هياكل المحاماة لتحييده وبعث رسائل ود ومغازلة باعتبار ان السيد الوزير وزميله في وزارة الداخلية  لا يضحيان بالثقة الكاملة لدى القضاة انفسهم وحتى المحامين يمكن ان تكون بادرة لتذويب الجليد. السيد الوزير الذي تتكدس على مكتبه مطالب المقابلة لجمعيات ناشطة ومتخصصة في المجال لتجديد ااتفاقية مبرمة يعد بترخيص لفريق محامين نرجو ان لا يكون محاولة لجر هياكل للجهة الاخرى.

ان هياكل المحامين هي الحارس الامين والراعي المسؤول  عن احترام الميثاق الاخلاقي للمهنة للمسؤولية التاريخية والقيمية في مجال الانصاف والعدالة  والنزاهة والحياد نظرا لدورها الوطني الحالي عليها النظر باكثر من منظور والانتباه الى المبادرات التي تمثلها ووقعها وتأثيرها على بقية الاطراف الشركاء والعمل على تأسيس  شراكات حقيقية مع المجتمع المدني وان المشاركة قيمة مضافة ويعدد الادوار ويمنحها عدة ابعاد اما الاستئثار بلعب كل الادوار  فيقلل من الوزن ولا يضاعفه .

مازال مجال حقوق الانسان هو الضمير الاجتماعي العام ومهندس قيمه النبيلة والمحايدة والنزيهة والشفافة بدون مصلحة مباشرة او غير مباشرة والارتباط بها ارتباط قيمي غير وظيفي رغم كل محاولات الانحراف مازال الجانب الطوعي هو المحدد..وربما بشكل اعم ضرورة التفكير في سن نص قانوني  في الحماية من تنازع المصالح في الحياة العامةـ على غرار بعض البلدان الاوروبية مثل فرنسا يجمع الاختصاصات القانونية وككل مجالات الحياة العامة من هذه المخاطر  .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ناشط حقوقي 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.