راشد الغنوشي “وعودة العقل للمجنون”

بهذه العبارة أوضح رئيس حركة النهضة…

بهذه العبارة أوضح رئيس حركة النهضة في حديث مع صحيفة القدس العربي رؤيته لحال الإرهاب الإسلامي المتنامي في ليبيا وسوريا والعراق وفي امتدادات أخرى لا تخضع لمنطق مواجهة الأنظمة الشمولية والسعي لتحقيق الانتقال الديمقراطي وربط انتشار التطرف السني الإسلامي بأنه جاء لمواجهة التمدد الشيعي وخاصة في سوريا والعراق. السيد راشد الغنوشي قال : والعهدة على الجريدة "الإسلام الآن في حالة غضب والغاضب أحياناً يخرج عن طوره ..ويعبر تعبيرات غير معقولة حتى تخاله مجنوناً.. ما حصل وما تعرض له السنة في العراق وسوريا يخل العقل"، القفز باتجاه تقسيم الحال في ما يسمى بثورات "الربيع العربي" للحديث عن الطائفية يعكس تيه تفكير قيادات الجماعات الإسلامية، خاصة وأن انطلاقها لم يكن في دول مرتبطة بالتقسيم السني الشيعي في الشرق الأوسط، وربط الحال اليوم بأن الصراع بين الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق مع أوضاعها القائمة بالصراع الطائفي يمهد لتقسيم خطير سيشكل بداية حرب طائفية لن تقف عند حدود ساحات الصراع الحالية لأن تمدد أشكال الصراع الطائفي قد يفاجئ من يتوهم أنه بعيد عنه، ومحاولة الوقوف في المحور السني ضد إيران سيثير غضب الكثير من قيادات وعناصر الحركة من أصدقاء طهران ويزيد في أزماتها أزمة أخرى .

حديث رئيس حركة النهضة عن صعود الإسلام السياسي يضع إشارات استفهام متعددة عن موقعه اليوم فهل مازال زعيم حركة إسلامية تشكل جزء من الإخوان المسلمين بامتدادهم وأفكارهم، أم رئيس حركة أعلنت قبل أشهر قليلة نهاية علاقتها بالإسلام السياسي وتحولها لحركة سياسية تونسية تسعى للفصل بين جناحها الدعوي وجناحها السياسي، رغم عدم تحسس معنى لهذا الفصل الذي تناساه قادتها بعد إطفاء أضواء مؤتمرها.

الحديث عن تقسيم ليبيا يطرح رؤية متجددة في تفكير السيد راشد الغنوشي والذي مازال وفياً لأفكار أستاذه وصديقه حسن الترابي الذي نظر ونفذ تقسيم السودان بين شمال مسلم وجنوب كافر، بعد انقلاب الجنرال عمر البشير بمساندة الإسلاميين على التجربة الديمقراطية الوليدة هناك، ودخولها في حرب أهلية انتهت بالتقسيم وتحوله لساحة للفقر والجوع صارت تميز حال الدول التي سقطت تحت حكم الإسلاميين. الحديث عن تقسيم ليبيا بين غرب إسلامي فقير لا يملك شيء من الثروة وشرق غني يراد توصيفه بالكافر سيفتح باب الصراع والحرب بين أبنائها لعشرات السنين لأن شبكة التحالفات وتمددها وانحسارها لا يخضع لحسابات ثابتة على رمال الصحراء الليبية.

النموذج التونسي الذي يعتبره زعيم حركة النهضة هو الأفضل في ظل خيبات الإسلاميين بدء في اليمن وانتهاء في ليبيا مازال يعيش إرهاصات التجربة دون اكتشاف نهاية رؤيتها، في ظل صراع كبير تعيشه الحركة التي فقدت للمرة الأولى سبب وحدتها وتلاحمها والذي كان دائما النظام الحاكم المعادي لها، فبعد الصراع مع البورقيبية، ونظام بن علي، فهم جزء من قيادتها أن الصدام الثالث لن يكون مع نظام حكم لم يتأسس بعد بل مع الشعب واختار تجنبه متأخراً، وهذا الفقد دفع بحال الحركة التي لم يعد لها عدو لتحاربه إلى السطح ليظهر تشققات وأزمات تحاول مداراتها بمنهج الصمت الذي كان قاعدة إدارة الخلاف داخل كل حركات الإسلام السياسي ولكنه صار اليوم عاجزاً عن إخفاء الواقع. منذ مؤتمر الحركة الأخير ورئيسها راشد الغنوشي الذي دخل معركة جديدة داخلها يعيش حالة قلق وانحسار في ظل تراجع الرضى عن سياسته داخلها، والتي يريد تحويلها لحزب سياسي لا يبعد في الشكل عن المتوفر في الساحة، ولكنه يبتعد تماما في المضمون عن التجارب الحزبية الجديدة ويقترب بشكل مثير للدهشة من الأحزاب أحادية القائد والزعيم. مؤتمر الحركة الذي شهد محاولة زعزعة سلطان مؤسسها كان بداية نهاية مرحلة عاشتها النهضة برموز لم يعد وجودهم في المشهد يؤدي الإضافة، فتم إبعادهم من الأطر الجديدة التي استنبطت وأضيف لها وجوه من خارجها لتجميل وجهها الجديد ولكن دون أن يستطيع تغيير الملامح الثابتة في عقول من يعرفونها كيف تفكر وماذا تريد.

رئيس الحركة الذي يسعى في سباق مع الزمن للملة حركته التي ترهلت وخسرت جزء من قواعدها التي قفزت باتجاه أطراف كانت حليفة معها قبل أن تتخلى عن المشترك بينهما بعد فوزها في انتخابات 2011 اعتبرت خياراتها الجديدة تنكرا لتفاهمات زمن مواجهة حكم بن علي وتراجعاً عن الخط الذي صنعوه بتفاهمات ما بعد سقوطه.

راشد الغنوشي الغاضب من تصرفات شريكه الأسبق في الحكم المنصف المرزوقي الذي يعتبره قد هرب بعدد لابأس به من "شعب النهضة" العبارة التي أغضبت زعيم الحركة التي اعتبرها إهانة شخصية له وتجاوز لكل قياداتها. مرة أخرى يحاول استعادة موقعه كواحد من قادة وزعماء الإسلام السياسي ولكن خارج حدود تونس ويسعى لينأى بالتجربة التونسية عن مشاريعها لكنه يصطدم بأنه عاجز مرة أخرى عن الخروج من عباءة الجماعة إلى الجبة التونسية المختلفة في المعنى والشكل والتفصيل عنها. حال حركة النهضة وزعيمها الذي يحارب ضد الوقت والظروف لمحاولة أن يغير بعض مفاصل الفكرة تصطدم بحقائق واقع تربت فيه أجيال على قناعة وشعارات دولة الخلافة والإسلام هو الحل والجهاد في سبيل الله فرض عين فكيف تمسح هذه من العقول وتستبدل بالتوافق مع أعداء الأمس وخصوم اليوم ومن لا يعرف كيف سيكونون غداً أعداء أم أصدقاء. في ختام حديثه وحول كيف يمكن التعامل مع حركات الإسلام السياسي وهي في حالة جنون ، قال الغنوشي: "بالعودة إلى العقل" وتناسى ربما عن غير قصد ما سبق إليه أئمة الإسلام بقولهم " إذا أخذ ما أوهب … أسقط ما أوجب "… وهذا من تمام العدل الإلهي، وهو حال الجماعات الإرهابية من داعش إلى النصرة وغيرها أينما وجدت.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.