ثورة الصيادين التونسيين (تحقيق)

مبروكة خذير –

هواية الصيد البري هي هواية ضاربة في القدم في تونس غير ان المغرمين بها يشعرون اليوم بغبن شديد في ظل عدم تمتع عدد كبير منهم برخصة مسك بندقية صيد و من ثم الحصول على رخصة الصيد البري.

وصل الغضب ذروته وارتفعت وتيرة النقمة عند الاف الهواة الذين تجندوا على صفحات الفايس بوك للتعبير عن رفضهم سياسة التعتيم على موضوع منح رخص مسك السلاح اذ ان سياسة وزارة الداخلية التونسية، الجهة التي تمنح رخص مسك بنادق الصيد، سياسة غير شفافة في نظرهم وتترك المجال شاسعا لفساد استشرى داخل لجنة منح هاته الرخص.

آلاف المطالب مازالت تنتظر على رفوف لجنة منح الرخص في أروقة إدارة التراتيب لدى وزارة الداخلية وسط تفاجئ هواة الصيد من يوم لآخر بحصول بعض الاشخاص على رخصة صيد في ظرف وجيز وبدون ايداع مطالب في الغرض.

وعدم تجاوب السلطة مع مطالب مسك بنادق الصيد فتح الباب واسعا لسياسة الرشوة والفساد والمحاباة في إسناد الرخص لمواطنين دون غيرهم، الأمر الذي دفع هواة الصيد إلى التجنّد وتحويل غضبهم من امتعاض على صفحات التواصل الاجتماعي إلى وقفات احتجاجية.

وهبّ هواة الصيد البري من كافة مناطق الجمهورية التونسية للاحتجاج أمام وزارة الداخلية لمطالبتها بالعدالة في منح الرخص و التصدي للمرتشين وقاموا بوقفات احتجاجية أوّلها في 30مارس 2014 وآخرها في 26 جوان الماضي.

ولم يتحقق الهدف المنشود ألا وهو فتح ملف رخص شراء بنادق الصيد ومحاسبة المرتشين والفاسدين والتعجيل بتسوية وضعيات أصحاب الملفات ذوي الاقدمية والاولوية.

وفي الوقفة التي نفّذها هواة الصيد أمام المسرح البلدي في الـ30 من شهر ماي من سنة 2016، والتي ساندها حزب صوت الفلاحين إذ تبنّى  النائب فيصل التبيني قضية الدفاع عن مطالبهم المتمثلة في العدل بين الافراد والجهات والتعجيل بالنظر في ملفات المحتجين وتنقيح القانون عدد 33 لسنة 1969الذي يحتوي على الكثير من الثغرات القانونية التي تمنح وزارة الداخلية سلطة هامشية في منح هاته الرخص بالولاء السياسي والمحاباة والرشوة.

وقد حضر هذه الوقفة ممثلون عن أغلب ولايات الجمهورية، أملهم الوحيد الحصول على حقهم وإحلال العدل والمساواة، غير أن الأمر يزداد خطورة، يوما بعد يوم، ذلك ان حرمان البعض مما يعتبرونه حقهم المشروع في الحصول على رخصة مسك السلاح يدفعهم إلى الصيد بطريقة غير قانونية وبشكل عشوائي ما يسبب مشاكل بيئية واستنزافا للثروات الحيوانية.

وفي ظل مماطلة وزارة الداخلية قررت التنسيقية الوطنية للدفاع عن هواة الصيد البري صلب حزب صوت الفلاحين تنفيذ وقفة الحسم الأخيرة بتاريخ 26 جوان 2018 وقد لاقت صدى اعلاميا وجماهيريا.

وقد هدد المحتجون بالدخول في إضراب مفتوح اذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم الممثلة في التسريع بالنظر في ملفات المحتجين والتسريع بالنظر في تنقيح القانون عدد 33 لسنة 1969 ةتشريك اعضاء من التنسيقية للاطلاع على مشروع التنقيح وابداء الراي فيه بصفتهم كمجتمع مدني وفتح كل ملفات الفساد والرشوة والمحسوبية في ما بعد الثورة ومحاسبة المتجاوزين.

وتشير بعض المعطيات غير الرسمية إلى أن بنادق الصيد المرخص استعمالها في تونس لا تتجاوز نسبتها العشرة بالمائة من مجموع بنادق الصيد التي تستعمل في تونس.

وفي بداية سنة 2016 أذنت النيابة العمومية بفتح تحقيق ضد بعض القيادات الأمنية بتهمة “السمسرة” في إسناد رخص بنادق الصيد إثر حصول احد تجار الخمر خلسة على رخصة لبندقية صيد، والتحقيق الذي لا تعرف مآلاته إلى اليوم رسّخ قناعة هواة الصيد بأنّ المجال يزخر بالتجاوزات وتغلغل فيه الفساد.

الاحساس بالقهر والغضب

لا توجد عبارات أبلغ من تلك التي صدح بها الشاب سنان المسعودي أصيل ولاية القصرين، للتعبير عن حنقه من سياسة وزارة الدخلية في التعامل مع مطالب الترخيص لحوزة بنادق الصيد، بدا سنان يائسا من المحاولة مرة أخرى لتغيير الوضع الذي استتب لسنوات عديدة.

سنان يبلغ من العمر حوالي أربعين سنة كافح وناضل وتحدث كثيرا عن حقه وحق هواة الصيد في ممارسة هوايتهم لكنه اليوم استسلم قهرا ولا شيء يسكنه سوى الهروب من بلاده الى بلاد “تقدر بني البشر”، على حد تعبيره.

يقول سنان الذي يقطن على بعد أمتار من جبال القصرين الممتدة في مدينة جبلية تعد هواية الصيد فيها تقليدا قديما “انا من القصرين ،بلاد المساكين والمحرومين، بلاد الفلاقة والجدود أصحاب الذراعات، جدي ساهم في إخراج المستعمر من تونس، عشقت الصيد استعمرني وغمرني بل استحوذ على عقلي وروحي فكبرنا معا يدا بيد حتى كبر العشق فاصبح هياما، ولم يشغلني التفكير في أنّني أحتاج إلى “ورقة حمراء” لأمارس عشقي في بلدي.

ويضيف “مع السنوات أصبح الصيد هاجسا يقلقني ويقضّ مضجعي وظهرت طائفة جديدة تتمعش من الرخص وتسندها لمن يدفع أكثر ولأصحاب الجاه والنفوذ ممن يعدّون مواطنين من الدرجة الأولى، اما نحن فأصبحنا نكرة ومواطنين من درجة ثانية فحتي عشقنا للصيد والطبيعة حقّ لا يمكن لنا ممارسته في بلاد أصبحنا غرباء فيها.

ويواصل سنان حديثه الشاعري المشوب بلمسة من الحزن النابع عن إحساسه بالضياب وغياب العدل الذي يخوّل له ممارسة هوايته”اسبانيا والارجنتين دول أتقنت التعامل مع مجال الصيد فإسبانيا مثلا يمثّل فيها الصيد مدخول الدولة الأول وحتى العراق البلد الذي يرزح تحت عبء الحرب لا يحرم شبابها من ممارسة هواية الصيد أما في تونس انقطعت بنا السبل لممارسة هوايتنا، ويساءل المسؤولون عن أسباب انضمام شباب مهمش ومقصي لمجموعات إرهابية، إنّه القمع الذي يولّد الانفجار ويجعل فئة من الشباب المهمش ينساق وراء سبل لا تحمد عواقبها.

واستطرد قائلا “من يعشق الصيد لا يمكن ان ينساق وراء تيارات متطرفة فهي هواية نبيلة تعلم صاحبها الانضباط وحب الوطن”.

سنان الذي لم يبكيه شيء في حياته، كما يقول، تنهمر دموعه أنّى رأى بندقية والده معلقة وهو عاجز عن استعمالها لأنه لم يحصل منذ سنوات على رخصة لمسكها، يبكي كثيرا لأنه يدرك أنه لو كان غنيا ونافذا لتمكن من ممارسة هوايته والحصول على رخصة بدفع الرشوة و الحصول على رخصة مسك بندقية الصيد.

أمثال سنان كثر في كافة مناطق الجمهورية ممن يعشقون الصيد هواية لكنهم يعجزون عن ممارسته لأنّ التعقيدات تحيط بالحصول على رخصة لشراء بندقية صيد وأخرى للصيد، وقصّته التي عبّر عنها بكلمات بليغة لا تعنيه وحده، ففي تونس مئات المحرومين من ممارسة هواية الصيد البري على غرار نزار سالمي الذي بدا ممتعضا جدا وحانقا لضياع حقّه.

نزار استاذ التربية البدنية وعاشق الصيد الذي تجاوز عمره الخمسين سنة، راسل وزراء داخلية الحكومات المتعاقبة على تونس وناشدهم رفع المظلمة عنه، ولكنّه ينتظر منذ ثمانية عشر سنة حضوله على رخصة حوزة بندقية صيد.

رغم انه يملك كل مؤهلات الحصول على رخصة شراء بندقية صيد على اعتبار أنه مدرب في رياضة الرماية، يقول نزار سالمي “ثمانية عشر سنة من الانتظار كفيلة بجعل صاحبها ينهار من الغبن والظلم فقد تقدمت لوزارة الداخلية بخمس مطالب آخرها سنة 2012، كلها مطالب جوبهت باللامبالاة والتجاهل، في حين أنّ الرخص تمنح بالمحاباة والمحسوبية.

ويواصل “أنا حكم وطني في الرماية ببنادق الصيد ومنشط رماية بالقوس والسهم والاسلحة الهوائية وتقني في صيانة أسلحة الرماية الرياضية فهل يعقل أن أحرم انا الذي املك كل هذه المهارات والمختص في الرماية من حقي فيما آخرون أقل كفاءة على رخص صيد بين عشيّة وضحاها.”

ومن المضحكات التي يذكرها نزار المدرب في فنون الرماية بكل مرارة:” أدعت 5 مطالب تذكير في مطالب تقدّمت بها مرارا للحصول على رخصة حوزة بندقية صيد و لم أتلق أي رد إلى حد الان ، عند تقدمي لاجتياز الدرجة الثانية مدرب رماية وجدتني الوحيد دون بندقية حتّى أنّ خبيرا فرنسيا استغرب اني لا املك بندقية رغم أنّني مدرّب وسخر مني ما جعلني أشعر بالاستنقاص والألم.

في المقابل أوصلنا التحقيق في موضوع رخص مسك السلاح إلى الحصول على معلومات تفيد بأن عضو الجامعة الوطنية للصيادين والجمعيات المختصة في الصيد تمكن من الحصول على رخصتي صيد لابنيه اذ أنه حصل على رخصة صيد لابنه الشاب الذي لا يتجاوز عمر ثلاثة وعشرين عاما في وقت امضى فيه البعض اكثر من نصف قرن و لم يحصلوا على ترخيص لمسك سلاح الصيد.

وحدثنا عمر وهو صياد أصيل مدينة تطاوين جنوبي العاصمة تونس أن صديقه وهوشيخ طاعن في السن يدعى الهاشمي من مدينة بوسالم يبكي بحرقة لأنه قاب قوسين او ادنى من الموت و لم يتحقق حلمه في أن يملك بندقية صيد ويمارس هويّته.

لا تتوقف الشهادات والامثلة التي تدل على غياب الشفافية في منح رخص مسك السلاح فمجدي امين الطرابلسي طالب والده منذ 1986 بالحصول على رخصة لكنه مات ولم يتحصل عليها فواصل مجدي بعده مسيرة دفع المطالب للحصول على رخصة مسك سلاح ومن ثم الحصول على رخصة صيد غير أن مجدي لم يحالفه الحظ ايضا يقول مجدي: “إلى يومنا هذا لم أتمكن من الحصول على رخصة في المقابل تحصل  شاب آخر على رخصة صيد رغم انه لازال طالبا لأنه ابن رجل غني، و3 إخوة تحصّلوا على رخضة في ظرف 6 أشهر فقط، وهناك من لديه رخصة ولا يجيد الصيد أصلا”.

أما لزهر العماري فقذ تحصل على رخصة مسك سلاح و رخصة صيد في ايطاليا لكن لا يستطيع استعمالها في تونس ولم يتحصل في بلده على رخصة تونسية في المقابل تمنح الرخص إلى غيره من غير المؤهلين للصيد.

عبد الحميد فطوش عضو تنسيقية الدفاع عن هواة الصيد البري من ولاية قابس وهي مدينة تزخر بالمساحات الشاسعة للصيد لم يدخر جهدا للتشهير بنواب حصلوا على رخص لمسك السلاح واستخرجوا رخصا للصيد وللتبجح والزينة.

ويقول عبد الحميد فطّوش: “الذين يتحصلون على رخص في وقت وجيز إما من اصحاب رؤوس الاموال او السياسيين والنواب ونحن لا نتجنى عليهم و لدينا اسماؤهم وبعضهم يتبجح بهذه الرخص في شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما أغضب هواة الصيد. لقد قرات بأم عيني على شبكات التواصل الاجتماعي تبادلا للتهم لبعض موظفي وزرارة الداخلية بتورط البعض في إسناد رخص مسك سلاح مقابل مبلغ 10 الاف دينار وهذا موثق لدي”.

ويضيف عبد الحميد فطوش أن رجل أعمال و ابنه من أثرياء ولاية صفاقس تسلموا رخص مسك بنادق صيد مباشرة من وزارة الداخلية دون علم السلط الأمنية الجهوية بصفاقس، كما أسندت عن طريق الموالاة و الرشوة رخصة مسك بندقية صيد لبائع خمر خلسة وهذا امر خطير حين تمنح الرخص لغير مستحقيها ممن لا تتوفر فيهم مقاييس الحصول علي رخصة، وفق قوله.

ويتابع بالقول “تتعلل الدولة حسب المتداول بتكلفة البنادق التي سيتم استيرادها بالعملة الصعبة فاقترحنا بيع البنادق المحجوزة التي تعد بالالاف لاصحاب الرخص الجديدة وهكذا نضرب عصفورين بحجر واحد من خلال إعطاء الناس حقهم في ممارسة هوايتهم وتمكين الدولة من أرباح هائلة مقارنة ببيع هاته البنادق في بتات عمومية أو إتلافها.

وقد أكد ضرورة القيام بثورة حقيقية في مجال الصيد بتونس لتعمد الكثيرين السيطرة عليه وتهميشه خدمة لاصحاب الجاه والمال وذلك بالابقاء على القوانين البالية التي لم تعد تواكب التطور الحاصل في مجال الصيد ولا تلبي طموحات الشباب المهووس برياضة الرماية والصيد، على حدّ تعبيره.

ويتمنّى في سياق متّصل أن يتحصل على رخصة تونسية ويشتري بندقية من صنع تونسي ويستعمل ذخيرة تونسية الصنع وبما أنّ بلادنا تزخر بالطاقات الشابة واليد العاملة المتمرسة في مجال تقنيات تطويع الحديد وتصنيعه فالمواد الاولية لدخول هذا المجال متوفرة وهي اساسا الحديد بانواعه والخشب بانواعه الذي تنتجها بلادنا، وفق قوله.

ويضيف “ولا ننسى حجم الموارد المالية الضخمة التي ستدخل لخزينة الدولة والقدرة الهائلة على استيعاب يد عاملة مختصة في النجارة والخراطة واختصاصات أخرى حيث نرى تركيا دخلت هذا المجال حديثا وبالشراكة مع شركات عالمية اكتسبت خبرات كثيرة وهي الان من المصدرين كما أن ميدان تصليح وصنع الاسلحة كان موجودا بالاسواق التونسية في خمسينات القرن الماضي لكن التشريعات هي التي قضت على هاته الصناعة ووأدتها لغاية في نفس يعقوب وبإملاءات أجنبية لنبقى دائما شعبا مستهلكا فقط في اغلب المجالات واهمها فأغلب قوانين الدول العربية تمنع صنع السلاح ولسائل ان يتسائل في مصلحة من هذا”.

ويتابع بالقول “حسابيا مائة ألف مستعمل للسلاح في تونس من جملة اثني عشر مليون نسمة ليس بالعدد الهائل او المهول ومعدل سعر البندقية الواحدة 5000 الاف دينار وهو ما يوفّر استثمارا بقيمة 500 مليار دينار دون احتساب التصدير كل صياد او رامي يستهلك حوالي الف خرطوشة سنويا أي بمداخيل تقدر 100مليار دينار، وكل صياد يساهم في الدورة الاقتصادية بمعدل مائة دينار لكل خرجة صيد باعتبار البنزين والمؤونة والخراطيش كما لايفوتني أن أعرج على المداخيل المتأتية للدولة من الضرائب المفروضة على الصيادين والتي تفوق 60 دينارا للصياد الواحد سنويا والتي تتضمن التأمين ومعاليم الاشتراك بالجمعيات التي بدورها تعيش عجزا نظرا لتهرم فئة الصيادين وعزوفهم عن الاشتراك بالجمعيات حيث يبلغ معدل اعمار الصيادين بتونس 65 سنة”.

هواة الصيد “إرهابيّون” من منظور الدولة

لسنا نتجنى على احد اذا قلنا من قبيل السخرية ان هواة الصيد إرهابيون ، انهم كذلك ما دامت وزارة الداخلية كثيرا ما تتعلل بالمخاطر الارهابية لتبرر عدم استجابتها لمطالب مسك السلاح.

وكثيرا ما تصل إلى هواة الصيد المحرومين من الحصول على رخصة مسك السلاح حجج “واهية” من وزارة الداخلية حجج شفاهية اذ لم يعرف عن وزارة الداخلية يوما ان ارسلت لأصحاب المطالب مكتوبا تشرح فيه أسباب عدم استجابتها لمطالب هواة الصيد بالحصول على رخصة مسك السلاح.

ويتبادر لهواة الصيد معلومات مفادها أن الخوف من استعمال البنادق في عمليات إرهابية هو السبب الرئيسي لشح المطالب المقبولة إلا أن المؤشرات المتوفرة لم تثبت يوما أن أي تحرك ضد الدولة استعملت فيه بنادق الصيد ، فتعلة الارهاب اذا تعلة واهية.

والدليل أنه لم يسجل في تاريخ تونس منذ الاستقلال ورغم الاحداث التي عرفتها البلاد، في 1962محاولة الانقلاب، و1978 الاضراب العام، و1980 احداث قفصة، و1984 أحداث الخبر، و 2006 أحداث سليمان، لم يسجل أن حمل صياد سلاحه في وجه النظام بل تم في كل المناسبات الاستعانة بالصيادين لتعزيز قوات الأمن والحرس.

والأنسب دوما أن تكون رخص مسك السلاح مرتبة ومدروسة برقابة من وزارة الداخلية ذلك أن كل الأسلحة التي استعملت في العمليات الإرهابية المتواترة في تونس هي أسلحة دخلت لتونس عن طريق التهريب كما أن بنادق الصيد أيضا تهرب ما دامت وزارة الداخلية تنتهج نظاما غير شفاف يفسح المجال لكثير من هواة الصيد لشراء البنادق واستعمالها بشكل غير قانوني في الصيد العشوائي.

محمد شلغوم رئيس جمعية الصيادين يقول إن تنظيم هذا القطاع من شأنه أن يجعل الأمور أوضح لدى وزارة الداخلية فمنح رخص مسك السلاح للصيد سيجعل كل بندقية مسجلة لدى مصالح وزارة الداخلية وحتى ان استعملت في غير محلها-و هو ما لم يحصل ابدا- فالتعرف علي الجناة سهل بحكم ان البنادق مسجلة سلفا.

في سوق رخص مسك السلاح: السعر قارب عشرين الف دينار

يفيد من تحدثنا اليهم من اهل الاختصاص بأنّ مبلغ الرشوة للحصول على ترخيص لمسك السلاح والحصول على رخصة صيد يتراوح بين عشرة الاف و سبع عشر الف دينار، مبلغ يعجز البعض عن سداده فيما يضطر الآخرون لجمعه ليتحقق حلمهم في الحصول على ترخيص.

اما الباقون ففيهم من دفع مبلغا يفوق الفي دينار و لكن لم يحصل على شيء إذ فُتح الباب امام بعض المتحيلين الذين يستغلون الانفلات الحاصل في الحصول على رخص الصيد للإيقاع بالصيادين الذين يتوقون لممارسة هوايتهم.

عبد الله بن طالب، شرطي الغابات في الشمال الغربي يؤكد أنّ عدم احترام الاولوية في قوائم الانتظار لمنح رخص الصيد أمر معلوم  لدى المختصين في هذا المجال.

ويعيش بن طالب يوميا تجارب مختلفة لكونه شرطي يحرس الغابات في مجال الصيد وكثيرا ما يلاحظ أنّ شبانا يملكون رخص صيد فيما ينتظر الكهول سنوات وسنوات دون الحصول على رخصة مسك السلاح لممارسة هواية الصيد البري.

ويعتبر بن طالب أن المحسوبية وسياسة الولاءات وعدم احترام مطالب البعض القديمة، تفتح الباب أمام التجاوزات فكثير من الصيادين يرتكبون مخالفات صيد عشوائي خارج مواسم الصيد وليلا الأمر الذي أضر بالثروة الحيوانية إذ أنّ أنواع عديدة من الطيور آيلة للانقراض بسبب عدم شفافية منظومة منح رخص الصيد لمستحقيها.

ويضيف عبد الله بن طالب:”انا أعرف شخصا تمكن من الحصول على رخصة صيد في يوم واحد لان هناك من تدخل لأجله و اظن ان الحد من المحسوبية في مجال منح رخص مسك السلاح يحتم ان تمنح مهمة منحها للجمعيات الجهوية للصيد البري، هذه الجمعيات يمكن ان ينضوي تحتها كل الصيادين و يمتثلون لقوانينها لتكونالجهة الوحيدة المنوطة بعهدتها هذه المهمة  بعد اجراء اختبارات نظرية و تطبيقية تمكن طالب الرخصة من الحصول عليها وبالتالي نحمي الطبيعة والثروة الحيوانية التي بدأت في الانقراض”.

ويؤكد عبد الله بن طالب انه كثيرا ما حرر محاضر ضد مخالفين لقانون الصيد، مضيفا ” بصفتي حارس صيد أرصد العديد من المخالفات فأقوم بالإجراءات القانونية واحيل المخالفات إلى العدالة وأحيانا أحجز بندقية والقانون ينص على عدم إرجاعها لصاحبها لأنه اقترف جريمة صيد، لكن للأسف يقع ارجاعها بعد مدة ويتمكن الصياد أيضا من تجديد رخصة الصيد، و لا اظن أن هذه التجاوزات تمر دون تدخلات أو دفع رشاوى فأنا أذكر أن هناك شخصا نصبنا له كمين له ومُسك في حالة تلبس ووقع تتبعه أمنيا لكن ما راعني بعد 6 أشهر الا أنه استرجع سلاحه رغم قيامه بمخالفة خطير مستفيدا من علاقته بأشخاص نافذين”.

من جهته يؤكّد محمد شلغوم محام و رئيس جمعية الصيادين بتطاوين يشهادات الآخرين فبحكم اختصاصه ويشدّد على  ان الرخص تسند لأشخاص دون اخرين ودون احترام الاولوية إذ تجد من تقدم بمطلب رخصة منذ أكثر من 18 سنة و يأتي غيره ويتحصل عليها في ظرف شهر، على حدّ قوله.

ويضيف شلغوم ان احد نواب مجلس الشعب لم يقدم مطلبا للحصول على رخصة صيد لكن في مارس الفارط تحصل عليها كما ينطبق الامر على احد الولاة الذي تحصل على الرخصة و السلاح في ظرف شهر واحد، لكنّه في المقابل لا يشكك في سلامة طوية أعضاء لجنة منح رخص مسك السلاح بقدر ما يعتبر أن منظومة إسناد رخص مسك السلاح التي تعد الخطوة الاولى للحصول على رخصة صيد منظومة سيئة وفاسدة بالأساس وتحتاج الي مراجعة جذرية لتحديد مقاييس منح الرخص والنظر الي المطالب نظرة جدية و رجاع مكاتيب بأسباب رفض المطالب عند رفضها.

ويقول “الفساد ليس في الاشخاص بل في المنظومة في حد ذاتها و ربما يتورط في هذا مسؤولون كبارا في وزارة الداخلية لأنني اعرف اشخاصا في ادارة التراتيب المسؤولة عن منح الرخص داخل الوزارة معرفة شخصية واعتقد ان هؤلاء لا يمكن ان يتورطوا في قضايا رشوة لكن أكاد اجزم انهم يتلقون أوامر من مسؤولين اعلى منهم رتبة -من المحتمل أنّهم تقاضوا رشوة- لإمضاء منح رخصة لشخص معين.”

كنا في المقهى نتحدث مع محمد شلغوم ليلتحق بنا عمر صياد من مدينة تطاوين بدا هو الاخر غاضبا من حقيقة الوضع في مجال رخص الصيد وطفق يقول: أنا تقدمت بمطلب للحصول على رخصة منذ 2004 وحتى 2013 لم أتحصل عليها وكنت مستعدا لدفع رشوة مقابل الحصول على رخصة لأنني أسمع عن هذا وذاك دفع رشوة وتحصل في فترة وجيزة على رخصة وانا لم اتحصل عليها رغم مطالب تقدّمت بها طيلة سنوات.

لم يشأ عمر ان يصرح تلقائيا انه دفع الرشوة للحصول على رخصة مسك السلاح في 2013 و لكن بشكل غير مباشر كان لسان حاله يقول انه دفع مالا للحصول عليها غير انه يصعب عليه و امثاله ان يصرحوا بهذا سيما لصحافية.

منافع تنظيم رخص مسك بنادق الصيد

تفيد بعض المؤشرات التي تداولتها وسائل إعلام تونسية أن أكثر من 10 الاف رخصة صيد أسندت في عهد حكومات ما بعد الثورة الى اليوم، غير أن كثر يطالبون بفتح تحقيق لمعرفة قوائم المنتفعين بهذه الرخص بطرق غير شفافة في وقت يحرم فيه الآلاف من المواطنين العاديين من هذه الرخصة.

لذلك يطالب هواة الصيد بفتح تحقيق ليتم جرد ومراجعة قوائم من تحصلوا على رخص ومحاسبة الامنيين والسياسيين الذين اشرفوا على منح هذه الرخص لغير مستحقيها.

ولئن طالب فلاحون و هواة صيد في فترة سابقة بعرض الملف للمناقشة في مجلس نواب الشعب والتحقيق مع وزيري الداخلية علي العريض ولطفي بن جدو وبعض المديرين في الإدارة العامة للمصالح المشتركة بوزارة الداخلية، وإدارة التراتيب وكذلك رجال السياسة المحسوبين على عهد الترويكا الا انه، لم يفتح التحقيق الي حد الان و لا انعقدت جلسات للنظر في الملف وطوى النسيان الموضوع فهو “ملف شائك قد يطيح بعدة رؤوس معروفة”، على تعبير الكثيرين من هواة الصيد.

كما يطالب الكثيرون من اهل الاختصاص بتسوية وضعية البنادق التي يملكها مواطنون والتي لا يملكون تراخيصا لمسكها واعادة تصنيفها وتمكينهم من رخص للغرض فاغلبهم ورثوها من اجدادهم الذين شاركوا بهاته البنادق القديمة في طرد المستعمر من بلادنا وتعتبر ارثا حضاريا ذا قيمة معنوية ونضالية للتاريخ العائلي لذا لايرومون تسليمها للدولة ولا الدولة اعطتهم ضمانات لتسوية وضعياتهم.

قد يفوت البعض أن قطاع الصيد البري قطاع يمكن أن يكون مصدر ثروة فهو هواية للبعض لكنه ايضا ذو فوائد اقتصادية جمة،
هذا القطاع الذي بقي دائما على هامش اهتمامات كل وزراء الداخلية المتعاقبين على تونس قبل الثورة وبعدها أصبح اليوم عبئا اقتصاديا بالنظر إلى سوق البنادق و أسلحة الصيد الموازية.

ولئن تشير بعض الاحصائيات إلى أن نسب بنادق الصيد المرخص لها لا تفوت عشرة بالمائة من مجموع البنادق المتداولة في تونس فإن البقية بنادق من السوق الموازية التي تستنزف ثروة البلاد الاقتصادية  ثرواتنا الحيوانية لان البنادق غير المرخصة تستعمل بشكل غير قانوني وهي بنادق لا يدفع مالكوها ضرائب ولا تعود على الدولة باية فائدة.

الخبير الاقتصادي حسني قبادة صياد قديم مولع بهذه الهواية وهو يقر بأن قطاع الصيد البري اذا تم تنظيمه بشكل جيد سيرفع من موارد الدولة اذ يمكن أن يصل عدد الصيادين اذا تمت تسوية الوضعيات مائتي الف صياد، هؤلاء يدفع كل واحد منهم مقدار مائتي دينار سنويا لخزينة الدولة اضف اليها قيمة شراء البنادق والخراطيش وكراء مساحات الصيد بطريقة قانونية كما ان تقنين الصيد في تونس سيساهم في تنمية موارد جمعيات الصيادين،جمعيات قد تستغل تلك الموارد لمراقبة الصيادين وتنظيم مجال الصيد حفاظا علي البيئة، وفق قوله.

لكل الأسباب السالف ذكرها تطالب جمعيات الصيادين في محافظات الجمهورية التونسية وزارة الداخلية بان تكون المشرفة على منح رخص مسك السلاح لاستعمالها في الصيد المرخص بالنظر إلى معرفة جمعيات الصيادين بأهل القطاع وهواته وقدرتهم على ضبط مقاييس شفافة حتى لا تعطي الرخص لغير مستحقيها فيما يعاني المغرمون من الاحباط و الخيبة من غياب العدل في هذا المجال.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.