تهافت الجبهة الشعبية في تقييم رئيس الحكومة الشاب

إن مبادرة رئيس الجمهورية التي تحسّست ركودا سياسيا خطيرا اذا تواصل الى الشتاء القادم باعتباره فصل الاحتجاجات في تونس، و التي أعلن حين اطلاقها عن رغبته في اشراك الاتحاد العام التونسي للشغل في حكومة وحدة وطنية من شانها ابعاد البلاد عن المصير المجهول، و بغض النظر عن تغير التصورات من حينه الى غاية اعلانه عن ترشيح شاب ذو 41 سنة، فان ما يهم الآن اساسا هو القول الصامت و لكن بالفعل و بالواقع لرسالة سياسية واضحة. تـقول هذه الرسالة: لا يمكن بناء دولة قوية و نامية و ديمقراطية بالفعل إلا بواسطة الشباب بما انهم قوة حية سريعة الحركة و بما هم مفاهيم و افكار و ابداعات جديدة..

و فعلا فقد كانت النائبة عن حزب نداء تونس في القناة الوطنية على حق حين أكدت على هذا المعطى. النقطة الاساسية في الموضوع هي دفع رئيس الجمهورية بعنصر شاب واثـق من نفـسه الى سدة رئاسة الحكومة.
عاكس هذا الموقف موقف ضبابي من النائب "عمار عمروسية" من الجبهة الشعبية القائل بان الشباب قام بثورة و لكن ليس من اجل ان يمسك بالسلطة،" الشباب قام بالثورة لا لأجل السلطة و انما للضغط عليها".

والأكثر من هذا غرابة هو مداخلة السيد "الجيلاني الهمامي" في قناة الجزيرة. فمن المعلوم أن الجبهة الشعبية كانت قد قاطعت هذه القناة باعتبارها بوقا اخوانيا واضحا بل يسميها بعضهم بقناة "الخنزيرة". لكن "سي الجيلاني" يعتلي صهوة جواده الاثيري للاستـنجاد بالعـدو بكل فـزع و كأنه قد نُفخ في الصور.

اما السيد "محسن نابت" عن الجبهة الشعبية في قناة "روسيا اليوم"، والذي أعلمنا أنه متـنبئ بسقوط حكومة "الصيد" من البداية في سنة 2016، وأنه يتـنبأ منذ اليوم بسقوط حكومة "يوسف الشاهد" سنة 2017، و ذلك قبل أن يشكل الرجل حكومته أصلا.

تساؤل السيد "النابت" عن مدى اتجاه الحكومة الجديدة في قانون جبائي جديد، طيب للحكومة ان تـقدم مشروع قانون لمجلس نواب الشعب و للأخير كذلك ان يصدر مثل هذا القانون بغض النظر عن الحكومة، أي هذه ليست حجة على الحكومة التي لم تـتكون بعد.

أما عن إعطاء الأولوية لمحاربة الارهاب والفساد والمفـسدين، فقد وصفها بـ"كلمات فضفاضة".  هل يطلب من رئيس الحكومة و قبل حتى تـشكيل حكومته أن يورد بعض أسماء الفاسدين الكبار؟ ثم حتى و ان شكل حكومته ألا تعتبر المسالة تدخلا في السلطة القضائية. اليس مجال الحكومة هنا هو تـقديم ملفات الفساد التي تحوزها الى الجهات القضائية المختصة و دون ان تـشهر بالأسماء لان المسالة ستـنـقل المتهمين الى مدانين قبل ان يحكم القضاء بذلك؟

اما في محاربة الإرهاب فالجميع قد لاحظ الجهود الكبيرة التي قامت بها الحكومة السابقة في القضاء على الارهاب وبالتالي فمن السهل على الحكومة الجديدة مواصلة نـفـس النسق مع امكانية زيادة تطويره.
فما الذي يطلبه من تخصيص في القول اذن؟

أما عن تـشكيل حكومة من الشباب وأكثر من ثلثها من المرأة الشابة، فلم يذكر السيد النابت شيئا لان الجبهة الشعبية نفـسها في مناسبات سابقة قالت ان التكلم عن طلب الخبرة لا يعني سوى اعادة رجال نظام بن علي الى السلطة.

النـقطة الجوهرية التي تعبر عن تهافت الجبهة الشعبية في حضورها الاعلامي للتعليق على تعيـين السيد "يوسف الشاهد"، هو التـناقض الصارخ بين قولها إنها لا تهتم إلا بمسالة البرنامج السياسي و بين انصباب تهافتها على شخص "يوسف الشاهد". والحقيقة ان الشاب في كونه كشاب هو الذي اثار كل هذا الصخب.

لو كانت المسألة متعلقة فعلا بالبرنامج السياسي، فإنه كان سيكون أكثر هدوءا وابتعادا عن الغضب والاستـنـفار والتسرع، وذلك بعد عرض رئيس الحكومة الجديد لحكومته وبرنامجه في مجلس نواب الشعب.

ومن جهة أخرى فإن المجادلة حول البرامج لا يجب أن تـنطلق من قاعدة :" اما برنامجي وإما فلا". هذا موقف صبياني ومراهق سياسيا. السياسة هي فن الممكن. السياسة في الحكم أساسا هي مدى النجاح أو الفـشل في ايجاد المعادلات بين عدة عناصر بعضها متـنافر ومتـناقض..

وفي الوقت الذي يهللون فيه لازمة الحكم في تونس، يتـناسون ان الحكومة الاولى للسيد "حبيب الصيد" كانت يسارية بل فيها شيوعيين. رفضت الجبهة الشعبية تلك الحكومة فـتـنـفست حركة النهضة الصعداء حتى ان السيد "نور الدين البحيري" قال بالحرف الواحد: "اذا كانت الجبهة الشعبية قد رفضتها فهل سنقبلها نحن؟".

يبدو أن اليساري أو الشيوعي خارج بيت من بيوت الجبهة الشعبية لا تسانده الجبهة، و ما علاقة هذا الامر بالبرامج السياسية؟

من جهة أخرى ألا يمكن لجماعة الجبهة الشعبية أن يتعضوا من تـنـفير رئيس الحكومة السابق منهم حتى يجد نفسه بين احضان "مونبليزير" التي وجدها البيت الوحيد المتماسك و المريح في عمله الحكومي حسب تصريح السيد "حبيب الصيد" ذات مرة؟؟..

 وأخيرا وليس آخرا، فان اليسار ليس هو المهدد او المحاصر اعلاميا وقد اثبت الاعلام ذلك. كل ما في المسألة انه متى ما عبرت الجبهة الشعبية عما يشغل الناس والنخب ودافعت بالفعل عن الحريات فإنها تجد من يناصرها. و كلما انحرفت نحو بوتقاتها الصغيرة والتهافتات فإنها على ادنى مستوى لن تجد آذانا صاغية.. واليوم، البلاد بأسرها  ومستـقبلها متوقف على نجاح الحكومة الشابة الجديدة من فشله..ولعله من الشروط الاساسية لنجاحها هو ان لا تقوم على المحاصصة الحزبية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.