ياني في قرطاج: قائد رسالته الحب

اغتصّت ليلة أمس الاثنين مدارج مسرح قرطاج بآلاف من المتفرجين الذين جاؤوا من مختلف المناطق التونسية ووصلوا ساعات قبل الموعد المنتظر ، حتى إن بعضهم وصل ساعات قبل وقت الإفطار وأحضر معه طعاماً وشراباً وانتظر منذ أن فتح المسرح أبوابه على الساعة السابعة مساء العرض المرتقب بشدة للفنان العالمي "ياني".

وياني كريسماليس مؤلف موسيقي من أصل يوناني بدأ العزف على البيانو منذ أن كان في السادسة من عمره وقرّر بعد تخرجه من كلية علم النفس تكريس وقته وجهده من أجل الموسيقى. وعلى الرغم من كونه لا يقرأ النوتة الموسيقية فقد ألف أعمالاً كاملة متحدياً التصنيف الموسيقي. وترافق ياني فرقة موسيقية أعضاؤها من جنسيات مختلفة من أنحاء العالم توحد بينهم الموسيقى وقدموا عروضاً تاريخية في عدة دول ومسارح أثرية عريقة كان آخرها مسرح قرطاج ليلة أمس.

مع اقتراب الساعة العاشرة والنصف، نفد صبر الحضور الذي فاضت به مدارج مسرح قرطاج ومقاعده وبدأ ينادي بخروج ياني الذي لم يتأخر عن تلبية طلب جمهوره وخرج وسط تصفيق وتهليل كبيرين لتنطلق الموسيقى مباشرة في إيقاع سريع زرع الحماسة في صفوف المتفرجين.

ولكن الموسيقي المبدع، الذي اتشح بالأبيض، لم يمنح جمهوره فرصة ليلتقط أنفاسه. فتارة كانت الموسيقى هادئة جميلة تأخذنا إلى عالم الأحلام الدافئ، وتارة أخرى يباغتنا بإيقاعات سريعة وقوية توقظنا في واقع لا شيء فيه سوى ألحان موسيقية تجبرنا، دون أي مجهود يذكر، على التفاعل معها إما تصفيقاً أو تمايلاً. 

فكانت النتيجة ان صاحب الأنامل الموسيقية الساحرة أبقانا لمدة ساعتين ونصف نتراوح بين الحلم وواقع الإيقاعات في جو تملؤه أجواء الفرحة التي تنقلها مباشرة ابتسامة ياني التي لا تفارق وجهه، ومشاعر الحب التي حرص ياني على أن ينقلها إلى كلّ من كان حاضراً بعد أن أكد في كلمات قليلة ان الحب بالنسبة لديه هو القوة العظمى وبعد أن عبّر عن سعادته لتواجده في مسرح قرطاج معتذراً عن تأخر قدومه ومشدداً على انه سيعود مرات أخرى إلى تونس نظراً إلى الترحاب والمحبة التي لقيها منذ مجيئه.

وعلى الرغم من أن كلمات ياني لم تكن كثيرة، إلا ان تأثيره على الجمهور كان قوياً وواضحاً من خلال موسيقاه التي فعلت بالحاضرين ما لا تستطيع أي كلمات فعله.

كان الفنان العالمي على المسرح قائداً فعليا، يدير من أمام البيانو الخاص به كلّ عازف وكلّ عضو في فرقته، سواء كان عزف الأوركسترا جماعياً أو فردياً لأحد الأعضاء.

كان ياني يعزف على البيانو تارة وعلى الأورغ تارة أخرى. وفي الوقت نفسه، كان يعزف على كلّ آلة ومع كلّ عازف. يد على البيانو، والأخرى في الهواء يحرّك أنامله فيستجيب لها أعضاء الأوركسترا ويقدمون ألحاناً متناغمة أحياناً ومتنافسة في تناسق أحياناً أخرى وهو يتابع كلّ نوتة.

كان صاحب الأنامل الساحرة يحرّك كل جزء من المعزوفات المقدمة، ويتفاعل معها من رأسه الى أخمص  قدميه . و كانت ملامح وجهه تتفاعل مع كلّ تلك الأنغام. 

بل إن ياني كان يتحكم أيضاً في المغنيتين اللتين شاركتا في عدد من الأغنيات التي قدمتها الأوركسترا خلال العرض فكان يتحرك مع تصاعد ونزول طبقاتهما الصوتية.

بدا كأن الموسيقى تسكن كيانه، والإيقاعات تنبض في قلبه والنوتات تسري في دمائه. ولكن القائد الموسيقي لم يكتف بقيادة فرقته بل أصرّ على التحكم في الجمهور ونقل إليه من خلال النسمات الليلية المنعشة الموسيقى التي تسكنه ومشاعر الحب. فكان التفاعل بين الموسيقي والجمهور قوياً دافئاً مشحوناً بعاطفة صادقة تبادلها الطرفان.

نجح ياني في خلق عالم جميل يتمازج فيه الحلم الدافئ بالواقع الجميل، كما نجح في إبعادنا عن حالة الحزن والإحباط التي سكنتنا في الآونة الأخيرة.

ياني تمكّن من خلال موسيقاه ورسالة الحب والأمل التي أصرّ على بثها في نفوسنا من زرع ابتسامة على شفاه جميع الحاضرين الذين أجمعوا خلال خروجهم من المسرح على ان العرض لم يكن عادياً وغرس فتيل أمل وراحة نحتاجهما في مواجهة آفة الإرهاب التي تهدد بلادنا.

ويمكن القول ان ياني كان فعلاً قائداً تحكّم بفرقته وجمهوره ببراعة ساحر وحرص على بثّ ثقافة الحب والسلام في مواجهة ثقافة الكره والقتل التي يريد الكثيرون نشرها في مجتمعنا لتقسيمنا وتشتيتنا.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.